عماد العتابي
في خضمّ حالة الغليان الاجتماعي والسياسي التي يعرفها المغرب، يُلاحظ أن جزءا واسعا من النقاش العمومي بات يُختَزَل في شخص رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، وكأنّ الرجل هو العِلّة والمعلول معا. هذه النزعة الشخصانية في فهم الأزمات رغم ما تحمله من شحنة احتجاجية مفهومة، تُشكل في العمق آلية لتفريغ الوعي السياسي من محتواه البنيوي، وتعيد إنتاج منطق «البحث عن كبش فداء» بدل مساءلة البنية التي أنجبته.
إن تحميل “أخنوش” وزر كل الاختلالات هو اختزالٌ مريحٌ للنظام السياسي في وجه واحد، بينما الحقيقة أكثر تعقيدا. فالمشكل لا يكمن في “الشخص”، بل في النسق السياسي/الاقتصادي الذي يُنتج هذا النوع من الشخصيات ويُحصّنها. فالمخزن، بقدرته التاريخية على امتصاص الصدمات وإعادة تشكيل الواجهة السياسية، يعلم أن الشارع يحتاج دوما إلى اسمٍ يصرّف عليه غضبه. ومن هنا تأتي وظيفة «أخنوش» ليس كشخص، بل كرمز وظيفي ضمن معادلة إعادة إنتاج السيطرة.
الأحزاب بدورها، وقد تآكلت شرعيتها الاجتماعية، لم تعد فاعلا مستقلا، بل أذرعا تنظيمية تُدير بها السلطة توازناتها الداخلية. وفي ظل هذا الفراغ، يجري اليوم تسويق وجوه شبابية جديدة تحت شعار التجديد والقطيعة، لكنها لا تتجاوز في خطابها سقف المسموح؛ فخطابها السياسي يظل مُحاصرا داخل دائرة النقد الموجَّه نحو الأشخاص، لا البُنى، نحو الأداء لا المنظومة. إنها محاولة لتجميل النسخة القديمة بديكور جديد، حيث يُقدَّم “الشباب” كرمز للتحديث بينما يُسحب منهم جوهر الفعل السياسي النقدي.
ما يحدث اليوم هو إعادة تدوير لآليات الضبط ذاتها، ولكن بوسائل أكثر نعومة وذكاء. فالمخزن لم يعد يعتمد فقط على الولاءات التقليدية، بل بات يوظّف الخطاب الحداثي والشبابي والإعلامي لتجديد شرعيته الرمزية. وهذه التقنية الجديدة في “تدبير السخط” تقوم على توجيه الوعي الجمعي نحو الفروع لا الجذور، نحو الأشخاص لا البنيات، نحو اللحظة لا التاريخ.
إن مواجهة الأزمة الراهنة لا تكون عبر شيطنة الأفراد، بل عبر تفكيك المنظومة التي تجعل من هؤلاء الأفراد ممكنين وفاعلين. فالمشكل مغروس في عمق العلاقة بين السلطة والثروة، بين الاقتصاد الريعي والسياسة الموجّهة، بين الدولة والمجتمع المدني، بين المركز والهامش. لذلك، فإن أي وعي نقدي حقيقي اليوم يجب أن يتجاوز الشخصي إلى البنيوي، والآني إلى التاريخي، والرمزي إلى المادي.
