عماد العتابي
انتشرت مؤخرا صورة لعبد الإله بنكيران وهو يجلس مبتسما بجانب صورة للمقاوم والزعيم الريفي”محمد بن عبد الكريم الخطابي”، في محاولة رمزية لربط نفسه بإرث الرجل الذي قاوم الاستعمار ودوّخ الإمبراطوريات. لكنها لم تكن سوى صورة، لا تعكس لا ماضي بنكيران السياسي، ولا مواقف حزبه خلال سنوات حكمه.
من السهل أن تلتقط صورة بجانب رمز تاريخي كمولاي موحند، لكن من الصعب أن تكون وفيا لمسيرته، مدافعا عن ذاكرته، ناطقا باسمه حين يُهان أو يُنسى. الخطابي لم يكن مجرد زعيم مقاو.مة؛ كان مشروعا للتحرر والكرامة. أما بنكيران، فعندما كان في السلطة، لم يذكره يوما، ولم يطالب بإعادة رفاته، ولم يدافع عن أحفاده حين سُجنوا واتُهِموا بالانفصال لأنهم خرجوا في مظاهرات سلمية يطالبون بالمستشفى والتعليم والعدالة الاجتماعية.
عشر سنوات من الحكم، لم ينطق بنكيران ولا من خلفه من قيادات العدالة والتنمية باسم الخطابي، وكأن الحسيمة لا تنتمي إلى هذا الوطن، أو كأن التاريخ يبدأ من دستور 2011 وينتهي في خطاب الولاء.
أما قمة الوقاحة السياسية، فكانت عندما خرج عبد الإله بنكيران ليقول إنه لا يعرف أين تقع الحسيمة. أي تجاهل أوقح من هذا؟ مدينة قدّمت للعالم أحد أبرز قادة الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني، يزعم رئيس الحكومة أنه لا يعرف موقعها؟ إنها ليست مجرد جملة عابرة، بل تعبير فاضح عن تواطؤ ممنهج مع سياسة النسيان التي يتبناها المخزن.
فليلتقط بنكيران الصور التي يريد، وليُلبس نفسه عباءة المقاو.مين، لكن التاريخ لا يرحم. والصورة وحدها لا تصنع الموقف. من خانوا ذاكرة الخطابي وهم في الحكم، لا يحق لهم اليوم أن يتزيّنوا بها وهم في المعارضة، ومن سكتوا عن قمع الريف، لا يملكون شرعية الوقوف بجانب صورته.
لقد ألهم الخطابي الثوار من فيتنام إلى كوبا، وكان اسمه يُتلى في ساحات التحرر من الجزائر إلى أمريكا اللاتينية. أما هنا، في بلده، فقد تُرك رمزه ليُشوه، وتاريخه ليُطمس، وأحفاده ليُزج بهم في السجون.
إن العار لا يكمن فقط في التجاهل، بل في التوظيف الانتهازي للرموز حين تفرغ من معناها. والصورة التي التُقطت مع الخطابي، ليست دليل احترام، بل مرآة لنفاق سياسي لا حدود له.
