عماد العتابي
لم يكن عرس موسى في الناظور مجرد مناسبة اجتماعية يفرح فيها أهل العريس، بل تحوّل في لحظة إلى قضية رأي عام وحدث وطني أثار من الجدل أكثر مما أثار من الغبطة. فبمجرد أن انتشرت صور الحفل وفيديوهاته حتى تعالت الأصوات التي ألصقت بالرجل كل التهم الممكنة، من تجارة المخدرات إلى المافيا والمال المشبوه، وكأن ابن الريف ممنوع عليه أن يعيش رفاهية أو يحتفل كما يشاء دون أن يبرر للعالم مصدر ثروته. هذه النظرة التي تختزل الريف في صورة قاتمة ليست جديدة، بل هي جزء من ذاكرة جماعية راسخة تعود إلى عقود من التهميش والوصم، حيث ظل الريف مرتبطا في المخيال المغربي بالتهريب والكيف والتمرد، وكأن المنطقة لا يمكن أن تنجب رجال أعمال ولا مهاجرين ناجحين ولا أناسا بنوا أنفسهم بعرق الجبين
غير أن عرس موسى لم يقتصر على كشف هذه الصورة النمطية الاجتماعية، بل عرى كذلك جانبا سياسيا وأمنيا بالغ الحساسية. من هو موسى؟ هل هو اسم حقيقي أم مجرد اسم حركي يخفي خلفه شخصية رمزية؟ أيا كانت الحقيقة فقد استطاع أن ينظم عرسا أسطوريا في قلب الريف، تحت أعين الجميع، في زمن يعرف فيه المغاربة أن الأجهزة الأمنية لا ينام لها جفن. وهنا كان المشهد أقرب إلى تمرغ وجه المؤسسة الأمنية في التراب، وعلى رأسها الحموشي، لأن الرسالة التي التقطها الرأي العام تقول إن هذا الاستعراض مرّ من دون أن تملك الدولة القدرة على ضبطه أو التحكم في معناه.
إن الصورة أحيانا أخطر من الواقع، وصورة موسى وهو يفرض روايته على الجميع كانت كافية لتفتح جرحا قديما بين الريف والدولة. فبعد سنوات من الحراك الشعبي في الحسيمة وبعد حملات الاعتقال والمقاربة الأمنية الصارمة، جاء هذا العرس ليقول بطريقة مختلفة إن الريف ما زال قادرا على إنتاج مشهد متمرد، لكنه هذه المرة لم يكن مشهدا احتجاجيا بل مشهد فرح وبذخ وكرم بدا وكأنه إعلان قوة من نوع آخر.
ما كشفه عرس موسى هو أن المجتمع المغربي ما زال أسيرا للأحكام المسبقة التي تحاكم الريفي قبل أن تستمع إليه، وأن الدولة ما زالت تنظر إلى المنطقة بعين الريبة والاحتواء بدل المصالحة والاعتراف. ومن هنا فإن الدرس الذي ينبغي استخلاصه لا يتعلق بحجم الهدايا ولا نوع السيارات الفارهة ولا تفاصيل البذخ، بل بما عرّاه الحدث من هشاشة في علاقتنا ببعضنا وفي علاقة السلطة بمواطنيها. موسى، سواء كان اسما حقيقيا أو مجرد رمز، نجح في أن يجعلنا نعيد طرح الأسئلة التي نؤجلها كل مرة؛ كيف نرى الريف؟ كيف ترى الدولة أبناء الريف؟ وكيف يمكن أن يتحول الفرح إلى فعل سياسي يربك الحسابات الأمنية؟
