الرباط/ المغرب
أُعلنت مؤخرًا نتائج الجائزة الوطنية للصحافة، ومعها تتجلى بوضوح خريطة القيم التي تكرّسها هذه الجائزة، حيث لا يهم أصلا أن تكون صحفيًا موهوبًا أو مستقصيًا، بل يجب أن تمشي ضمن خط السلطة، وتغلف مشاريع الدولة والإنجازات الملكية بالثناء والتقدير.
في صنف التلفزة، فاز عبد الله جعفري عن عمله “أكاديمية محمد السادس لكرة القدم.. من الرؤية الملكية إلى صناعة المجد”، ويونس البضيوي عن “الوقف العلمي بالمغرب.. تراث حضاري متجدد”. في الإذاعة، تصدرت الجوائز أعمال نبيلة قميمي ومونية عرشي التي تناولت المسيرة الخضراء وتعديلات مدونة الأسرة. وحتى في الصحافة المكتوبة والإلكترونية، فإن غالبية الأعمال الفائزة تمثل تمجيدًا للإنجاز الرسمي والرموز الوطنية، بينما يظل التحقيق النقدي الاستقصائي حيزًا ضعيفا ومحدودًا للغاية، كما في تحقيقات نبيلة باكاس وخديجة علي موسى وبرنامج “مختفون.. قضية مروان المقدم”.
حين تتحوّل الجوائز إلى أداة لتكريس اللاصحافة، يصبح الطريق إلى التتويج واضحا، وما عليك سوى أن تكتب عن أكبر برج، عن الرؤية السديدة، عن صناعة المجد، وعن إنجازات الملك والحكومة.
أما الأسئلة الموجعة، ملفات الفساد، الانتهاكات، إخفاقات المؤسسات، أو أي نقد حقيقي للمسؤولين، فهي محرمة ضمنيًا. والجوائز بهذا الشكل لا تكافئ الصحافة الحقيقية والشجاعة ولا تشجع على المساءلة، بل تحدد خطًا مرسومًا مسبقًا للكتابة الصحفية المقبولة من السلطة.
الواقع يكشف أن هذه الجوائز تشكّل آلية غير معلنة لاحتواء الإعلام، فهي تمنح الشرعية للأعمال التي تكرس الصورة الرسمية، وتُبعد الأعمال الاستقصائية النقدية إلى الهامش. حتى الأصناف الثقافية، مثل الإنتاج الأمازيغي والحساني، ركّزت على التراث والتنمية المحلية، مع غياب أي مساءلة اجتماعية أو سياسية، بينما حجب جائزة الكاريكاتير يظهر بوضوح محدودية السماح بالنقد المباشر أو الساخر.
والنتيجة هي إعادة إنتاج نموذج إعلامي بهلواني يتماهى مع السلطة، حيث التتويج مرهون بالمديح والوفاء للرواية الرسمية، لا بالتحقيق والجرأة الصحفية. وهذا الواقع يطرح تساؤلًا حادا حول مستقبل الصحافة المغربية، فهل ستظل الجوائز وسيلة لإعطاء صورة زائفة عن حيوية وحرية الصحافة، أم أنها ستتطور لتكافئ الاستقصاء والمساءلة الفعلية؟
في النهاية، الجوائز كما هي اليوم، لا تعكس الجودة الصحفية بالمعنى الحقيقي، بل تعكس الولاء والتقيد بالخط الرسمي أكثر من أي شيء آخر. إنها شهادة ضمنية على أن الصحافة المستقلة والجريئة ما زالت تبحث عن مساحات تحميها وتكافئها، بعيدًا عن أضواء التتويج الرسمي
