عماد العتابي
في خضم المشهد اللبناني المأزوم سياسيا واقتصاديا، يبرز حزب الله كقوة عسكرية وتنظيمي يحسب لها ألف حساب، ليس فقط في الداخل، بل على امتداد الإقليم. ولعل أكثر ما يثير الانتباه في تجربة هذا الحزب، ليس حجم القوة التي يمتلكها، بل الطريقة التي تُدار بها هذه القوة.
إن ما يمتلكه الحزب الأصفر من سلاح وتدريب وخبرة قتالية، كفيل، بلا مبالغة، بأن يمكنه من فرض سيطرته على لبنان خلال أيام، لو أراد ذلك. بل إن طرفا آخر، سواء كان داخليا أو خارجيا، لو امتلك عشر هذه القدرة، لما توانى عن استثمارها في فرض هيمنة دموية على البلاد، وربما ارتكب من الفظائع والمجازر ما يفوق ما شهدته المنطقة على يد عصابات الجو.لاني الإرهابية في سوريا.
لكن الواقع يُظهر أن سلاح الحزب لم يُستخدم يوما لتصفية خصومه السياسيين، ولا لترويع شعبه، ولا للسيطرة على مفاصل الدولة بالقوة، رغم أن الفرصة كانت سانحة أكثر من مرة. وهذا الانضباط، في زمن تغيب فيه الأخلاق عن كثير من الفاعلين السياسيين، يعبّر عن عمق الالتزام العقائدي والأخلاقي لدى الحزب، الذي يضع بوصلة فلسط.ين أولا، ويحصر سلاحه في وجه الكيان الصهيوني، ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
لقد جرّب لبنان جماعات وتنظيمات وميليشيات كثيرة، جميعها امتلكت السلاح، لكن قليلا ما اقترن ذلك بانضباط أخلاقي أو وطني. أما حزب سيد الشهداء، فشكّل نموذجا فريدا لقوة منضبطة، لا تحكمها شهوة السلطة، بل مشروع مقاومة أكبر من حدود الطائفة والوطن.
قد يختلف البعض مع الحزب في رؤيته السياسية، لكن الثابت حتى اللحظة هو أن هذه القوة، التي كانت في متناول اليد لاجتياح الداخل، آثرت كفّ يدها، لا عجزا بل أخلاقا. وهذه الأخلاق، في زمن الفتن والطائفية والتفكك، ربما تكون هي السلاح الأهم الذي يُحسب له ألف حساب.
