لاهاي/هولندا
تتجه أنظار الهولنديين، ومعهم العواصم الأوروبية، إلى الانتخابات البرلمانية المقررة في 29 أكتوبر الجاري، والتي توصف بأنها الأهم منذ عقدين، لما تحمله من انعكاسات على مسار البلاد السياسي وعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي. وتُظهر أحدث استطلاعات الرأي تقدّم حزب “الحرية” اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، لكن بفارق ضئيل عن منافسيه، ما يعكس حالة السيولة السياسية التي تشهدها هولندا منذ انهيار حكومة مارك روته الصيف الماضي.
وفق استطلاع نشرته شركة الأبحاث “إبسوس” السبت، ما زال حزب “الحرية” يتصدر نوايا التصويت، لكنه خسر جزءا من زخمه الذي أحرزه في الأسابيع الأولى من الحملة الانتخابية. ويأتي خلفه تحالف اليسار الأخضر – حزب العمل (GroenLinks–PvdA) بقيادة المفوض الأوروبي السابق فرانس تيمرمانس، ثم الحزب الليبرالي (VVD) الذي قاد البلاد على مدى 13 عامًا في عهد روته، إلى جانب حزب “العقد الاجتماعي الجديد” (NSC) الذي أسسه النائب المستقل والشخصية الإصلاحية بيتر أومتزخت.
ويشير محللون إلى أن الفوارق المحدودة بين الأحزاب تجعل من تشكيل الحكومة المقبلة مهمة شديدة التعقيد، إذ لا يُتوقع أن يتمكن أي حزب بمفرده من تحقيق أغلبية 76 مقعدا من أصل 150 في البرلمان الهولندي.يستفيد فيلدرز من موجة القلق الشعبي تجاه قضايا الهجرة وأزمة السكن وارتفاع تكاليف المعيشة، وهي ملفات تشغل الرأي العام الهولندي منذ سنوات. وقد صعّد خطابه المناهض للمهاجرين، متعهدًا بـ”وقف اللجوء” وتشديد الرقابة على الحدود، فضلًا عن دعوته القديمة لخروج هولندا من الاتحاد الأوروبي.
لكن على الرغم من تصدره نوايا التصويت، لا يزال فيلدرز يواجه عزلة سياسية، إذ ترفض غالبية الأحزاب التقليدية الدخول معه في ائتلاف حكومي، معتبرة أن مواقفه “لا تتماشى مع القيم الدستورية الهولندية والتعددية الأوروبية”.
من جهته، يسعى تيمرمانس إلى تقديم نفسه كبديل معتدل قادر على توحيد الهولنديين خلف أجندة “خضراء واجتماعية”، تجمع بين التحول البيئي والعدالة الاقتصادية. ويراهن تحالفه على تعبئة الناخبين الشباب والطبقة الوسطى المتضررة من الأزمات المعيشية، في مواجهة الخطاب الشعبوي المتصاعد.
أما النائب بيتر أومتزخت، الذي أسّس حزب “العقد الاجتماعي الجديد” العام الماضي، فيطرح رؤية إصلاحية تركز على الشفافية ومحاربة الفساد وإصلاح النظام الإداري، مستفيدًا من سمعته المستقلة وشعبيته الواسعة بين الهولنديين الذين فقدوا الثقة في الأحزاب التقليدية.
ويرى مراقبون أن حزبه قد يلعب دور “بيضة القبان” في أي مفاوضات ائتلافية مقبلة، وربما يكون شريكا محوريا في تحديد هوية الحكومة الجديدة.وتتابع العواصم الأوروبية عن كثب ما ستسفر عنه صناديق الاقتراع في هولندا، التي تعدّ من أبرز الأعضاء المؤسسين للاتحاد الأوروبي، وسط مخاوف من أن يؤدي صعود التيار اليميني المتطرف إلى تأجيج موجة “يوروسكبتيسزم” (الشك في الاتحاد الأوروبي) داخل القارة.
ويرى محللون أن نتائج الانتخابات الهولندية قد تعكس اتجاها أوسع في أوروبا الغربية نحو تنامي الشعبوية وتراجع الأحزاب الوسطية، كما حدث في فرنسا وألمانيا وإيطاليا خلال السنوات الأخيرة.
حتى مع فوز حزب فيلدرز بالمرتبة الأولى، فإن تشكيل حكومة يمينية متجانسة يبدو شبه مستحيل في ظل رفض الأحزاب الأخرى التحالف معه. وبناءً على ذلك، يرجّح مراقبون أن تمتد مفاوضات تشكيل الحكومة لأسابيع وربما أشهر، على غرار ما حدث بعد انتخابات عام 2021 التي استغرقت تسعة أشهر لتسفر عن حكومة جديدة.
وبينما يستعد الناخبون للتوجه إلى صناديق الاقتراع، يبقى المشهد الهولندي مفتوحًا على جميع الاحتمالات. من استمرار نهج الوسط الليبرالي إلى تجربة سياسية غير مسبوقة بقيادة اليمين المتطرف.
