نضال ناصر
في ذكرى تفجيرات البايجر، أعتقد أنّ الشخصيات العامة قد أشبعت الحديث عن أثره العسكري وعمقه الأمني ولحظته السياسية، لكن ثمّة نقصًا فادحًا في تناول الحدث من جانب إنساني–حضاري، ويمكن تقسيم ذلك إلى مستويين:
أولًا، ما كان نتنياهو ليجرؤ على تفجير أجهزة استدعاء منتشرة في المنازل والأسواق، لولا علمه يقينًا بأنّه سيجد أنذالًا على شاكلته، في بلدنا وأمّتنا والعالم، يصفّقون له على إنجازه الإجرامي. نتنياهو وهؤلاء الأنذال – غطاءُ إجرامه اللازم لتكثيف الشر حتى لا تشعر إسرائيل بالعزلة – يمثّلون استكمالًا لمسار الانحطاط الأخلاقي-السياسي الذي بدأ بالتشكّل في دورته التاريخية الغربية مع سماح ميكيافيللي للأمير بالتنازل عن الأخلاق والفضائل لتحصيل المكاسب السياسية.
ثانيًا، على الصعيد الحضاري، إنّ عملية البايجر تنذر بدخول البشرية عصرًا مظلمًا تكون فيه يدُ التقنية هي العليا، وأيّ حديث عن الأخلاق كلمةً سُفلى؛ عصرٌ لا يعرف الفرق بين الإبداع والإجرام؛ عصرٌ يتحدّث فيه نتنياهو عن عملية البايجر بوصفها “إبداعًا”.
إسرائيل هي النموذج المكثّف لكل مفاهيم الفلسفة الغربية: مفهوم الدولة القومية الحديثة، مفهوم النفعية، مفهوم الرأسمالية، مفهوم النيوليبرالية، مفهوم المادية… إذا جمعنا كل مفهوم حداثويّ نظّرت له الأمة الغربية ووضعناها في سلّة واحدة، خرجت لنا دولة إسرائيل.
وبالتالي، فإنّ عملية البايجر هي إعلان الحضارة الغربية عن إفلاسها الأخلاقي الكامل، بعد أن بدأت تخسر من رصيدها الأخلاقي مع كل احتلال وغزو، ومع كل إنجاز تقني يُسمح فيه لأصحاب الشركات بتوجيه ذاك الإنجاز بمنطق الربح المادي فقط، مع تغييب دور الفلاسفة والمنظّرين. (راجع عشرات المقالات والوثائقيات التي تفضح آليات عمل شركات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتمّ تجاوز القانون بالسماح للمصمّمين بإنتاج واجهات وخوارزميات مصمَّمة لتكون إدمانية بالنسبة للمستعملين، من أجل زيادة أرباح الإعلانات).
وأخيرًا، سلام الله على رجال حز.ب الله، المرابطين على آخر معاقل الإنسانية في هذا الوجود.
