باريس/فرنسا
لم تعد حوادث رفض شحنات المنتجات المغربية في الأسواق الأوروبية مجرّد وقائع عابرة، بل باتت مؤشراً مقلقا على أزمة خفية في منظومة الأمن الغذائي بالمغرب.
أحدث الفصول جاءت عندما منعت فرنسا دخول شحنة زيتون مغربية بعد أن كشفت التحاليل المخبرية عن وجود مبيد “كلوربيرفوس” المحظور في الاتحاد الأوروبي منذ سنة 2020، لما له من آثار خطيرة على صحة الإنسان، خصوصاً على الجهاز العصبي والغدد.
القضية ليست الأولى من نوعها. ففي عام 2024، تم الإبلاغ في البرلمان الأوروبي عن شحنة شمّام مغربية احتوت على بقايا المبيد نفسه، بتركيزات تتجاوز الحدود القانونية المسموح بها.
ورغم رفض هذه الشحنات في أوروبا، تُعاد في بعض الأحيان إلى الأسواق المغربية، ما يعني أن المستهلك المحلي قد يجد نفسه أمام منتجات لا يجرؤ المستهلك الأوروبي على لمسها.
دراسات ميدانية في مناطق سوس-ماسة ولوكّوس كشفت أن استخدام المبيدات يتم بكثافة مفرطة:في بعض المحاصيل، تصل المعالجة الزراعية إلى أكثر من 26 مرة في الدورة الواحدة. وتُقدّر كمية المادة الفعالة بنحو 14.7 كلغ في الهكتار الواحد.
وفي جهة فاس–مكناس، أظهرت دراسة أخرى أن 95% من الفلاحين يستعملون مبيدات كيميائية دون وعي كافٍ بمخاطرها، وغالباً دون استخدام وسائل الحماية الشخصية، مما يعرّضهم ومحيطهم لتلوث مباشر.
ووفق معطيات من مشروع تابع لوزارة الفلاحة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، يُصاب أكثر من 1,200 شخص سنوياً بتسمّمات مرتبطة بالمبيدات في المغرب.
لكن هذه الأرقام تظل تقريبية بسبب غياب قاعدة بيانات وطنية دقيقة حول نوعية المبيدات المستعملة، ومستوى التلوث الفعلي في السلسلة الغذائية.
يشكّل القطاع الفلاحي حوالي 14% من الناتج الداخلي الخام المغربي، وهو ركيزة أساسية للتصدير وتشغيل اليد العاملة. غير أن التركيز على الكمّ بدل الكيف جعل بعض المنتجين يفضّلون الربح السريع على حساب السلامة الغذائية.
فحين تُرفض شحنة في أوروبا بسبب “السمّية”، يُفترض إتلافها أو التحقيق في مصدرها، لكن في الواقع، تُوجَّه في أحيان كثيرة إلى السوق المحلية دون تدخّل واضح من الجهات المسؤولة.
إن إستمرار استهلاك منتجات تحتوي على بقايا مبيدات محظورة أو متراكمة قد يؤدي، وفق خبراء، إلى زيادة مخاطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل السرطان، اضطرابات الغدد الصماء، والمشاكل العصبية.
الخطورة الأكبر أن هذه المواد لا تقتل فوراً، بل تتراكم في الجسم ببطء، حتى يتحول المواطن إلى “ضحية صامتة” لنظام غذائي ملوّث.خلاصة القول، ما لم تُفعّل الرقابة الصارمة من طرف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA)، وتُفرض الشفافية والمحاسبة في سلاسل الإنتاج، سيبقى المستهلك المغربي هو الحلقة الأضعف.
فبين منتج يبحث عن الربح، وسلطة تراقب بعد فوات الأوان، يبقى السؤال المؤلم قائما؛
من يحمي المغاربة من السموم التي يأكلونها؟
