لم يكن ما جرى في الصويرة مجرد احتفال ديني، بل صدمة صريحة تكشف كيف يتسرّب التطبيع إلى قلب المغرب ووعي المغاربة. في مشهد بدا للجميع أقرب إلى العبث، حيث ارتفعت أدعية في مدينة عُرفت برمزيتها للتعايش، لكن هذه المرة من أجل الصلاة لجنود جيش الاحتلال الصهيوني ومن أجل أسرى في غزة، وكأن المغرب قد صار فجأة ساحةً يُبارك فيها مشروع الاستعمار الصهيوني تحت غطاء طقس روحي.
الصويرة التي كانت نموذجا للتسامح، تحولت فجأة إلى أداة في عملية سياسية متقنة في تحويل المناسبات الدينية والروحية إلى منصات تمنح الشرعية لجيش قائم على القتل والإبادة والتهجير.
هذا الانقلاب لم يأتي من فراغ، بل هو ثمرة طبيعية لمسار تبنّته الدولة حين جعلت التطبيع خيارا استراتيجيا، مسوِّقة إياه على أنه ربح سياسي واقتصادي يضمن اعترافا دوليا بالصحراء واستثمارات واعدة. لكنّ ما يجري على الأرض يكشف أن الثمن الحقيقي يتجاوز السياسة والاقتصاد، ليطال عمق الهوية المغربية نفسها، ويُدخلها في مسار “أسرلة” متدرج يطال الفضاء الديني والرمزي.
ولم يكن رفع صورة الملك خلال تلك الطقوس تفصيلا بروتوكوليا، بل علامة على محاولة دمج الاحتلال في المشهد الوطني، وإضفاء غطاء رسمي على خطاب لا يخدم سوى مشروع “إسـرائيل الكبري”. بذلك يصبح النظام السياسي المغربي نفسه جزءا من مشروع إعادة تشكيل الهوية المغربية في اتجاه يتناقض مع تاريخها وموقفها الثابت من فلسطين.
إن ما حدث في الصويرة لا يخص حدثا محليا منعزلًا، بل يطرح سؤالا يتجاوز حدود المناسبة، فإلى أي مدى يمكن للمغاربة أن يقبلوا بأن تتحول مدنهم ومناسباتهم الدينية إلى ساحات تمجّد جيشا يقتل ويهجر الفلسطينيين؟ وهل ما سُوّق على أنه إنجاز دبلوماسي لم يتحوّل في الحقيقة إلى حصان طروادة يهدد تاريخ المغرب وذاكرته وعمقه الروحي؟
إن القضية لم تعد محصورة فقط في نقاش حول جدوى التطبيع أو عوائده، بل أصبحت معركة حول روح المغرب ذاته. فإما أن يبقى بلدا وفيا لتاريخه وهويته وموقفه من فلسطين، أو أن يُعاد تشكيله في صورة أخرى تُفرَض عليه من تيل أبيب وتُبارك داخليًا. ما حدث في الصويرة لم يكن سوى جرس إنذار.. إذا لم يُسمَع الآن، فقد يأتي الغد بواقع مؤلم يصعب التراجع عنه.
