عماد العتابي
تعيش الزاوية القادرية البودشيشية، إحدى أشهر الطرق الصوفية في المغرب والعالم، على وقع أزمة غير مسبوقة، تتشابك فيها الخلافات العائلية مع رهانات السياسة وأطماع المال. الزاوية، التي ارتبط اسمها لعقود بالسكينة والروحانية، تجد نفسها اليوم أمام اختبار عسير يهدد تماسكها وسمعتها.
خلاف الإخوة.. المال في قلب المعركة
في قلب الأزمة يقف شقيقان: منير ومعاذ، يمثل كل واحد منهما جناحًا داخل الزاوية. الخلاف بينهما لا يدور حول منهج روحي أو خط فكري، بل حول مفاصل السلطة داخل التنظيم؛ التحكم في القرار، وفي الموارد المالية التي تُقدر بعشرات المليارات من السنتيمات، إضافة إلى شبكات النفوذ المحلية والدولية.
منير، الذي يترأس المؤتمر العالمي للتصوف، يمسك بورقة التمويل الدولي عبر شبكة من المريدين الأثرياء المقيمين في باريس وعواصم أخرى، ما يمنحه قوة مالية ودبلوماسية. كما يرتبط بعلاقة وثيقة بفوزي لقجع، أحد أبرز الفاعلين في دائرة الحكم، وهو من أدخله إلى المكتب المسير لفريق نهضة بركان.
في المقابل، يمثل معاذ الجناح المحافظ داخل الزاوية، المتماهي مع التوجه التقليداني في الدولة، ويحظى بدعم وزير الأوقاف أحمد التوفيق، الذي يقود جناحًا آخر في السلطة. معاذ يراهن على الشرعية الروحية والتقليد التاريخي في تولي المشيخة، لكنه يفتقر إلى نفس الشبكات التمويلية التي يملكها شقيقه.
المخزن لاعب من وراء الستار
خلف هذا الصراع العائلي، تلوح بصمات المخزن الذي يبدو أنه يراقب المشهد عن كثب. فالتقاطعات بين جناحي الإخوة وأجنحة الدولة تجعل الزاوية ساحة مصغرة لصراع نفوذ سياسي. بعض المؤشرات توحي بأن السلطات قد تستثمر الانقسامات لإعادة ترتيب البيت البودشيشي بما يخدم توازناتها الروحية والسياسية.
رهانات مالية ضخمة
الموارد المالية للزاوية ليست مجرد تبرعات، بل تشمل استثمارات عقارية وتجارية واسعة، إلى جانب تدفقات مالية من الخارج عبر المريدين الأثرياء. غياب الشفافية في تدبير هذه الموارد جعل الصراع أكثر حدة، وفتح الباب أمام اتهامات بالفساد وسوء الإدارة.
مستقبل على المحك
المراقبون يرون أن الزاوية أمام ثلاثة مسارات؛ إما تسوية الخلاف بوساطة عليا تحفظ تماسكها، أو سيطرة جناح واحد بدعم سياسي، أو استمرار النزيف وصولا إلى تفكك تدريجي يفقدها نفوذها الروحي والمالي. وفي كل الحالات، ستظل البودشيشية اختبارا حيا لقدرة الطرق الصوفية في المغرب على البقاء في قلب اللعبة الروحية والسياسية، دون أن تفقد روحها الأصلية.
