اقتحم وزير الأمن الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير زنزانة الأسير القائد مروان البرغوثي وهدده بالقتل. في حادثة أثارت موجة استنكار واسعة. البرغوثي، الذي أمضى 23 عامًا في الأسر الانفرادي، ظهر في حالة هزيلة جسديا بسبب التجويع الطويل، لكنه صامدا رغم محاولات الاحتلال كسر معنويات، ما يعكس حجم المعاناة والتجويع التي تعرض لها.
وتكشف الواقعة عن رسالتين رئيسيتين.. أولا، أن الاحتلال يعادي الفلسطينيين جميعا بصفتهم فلسطينيين، بغض النظر عن انتماءاتهم الحركية. ثانيًا، أن الاحتلال يعيش حالة من الهشاشة والخوف أمام صمود الأسرى، حيث يظل البرغوثي وكل الأسرى الأبطال مصدر تهديد معنوي للسلطات الإسرائيلية.
المشهد يؤكد أن إرادة الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال لا تنكسر، وأن الأسرى يظلون رمزا للصمود الوطني والكرامة الإنسانية.
وقد إنخرط مروان البرغوثي في صفوف حركة “فتح” وهو في الخامسة عشرة من عمره، واعتقل لأول مرة عام 1976، وهو في السابعة عشرة، لمدة عامين بتهمة الانضمام للحركة. أُعيد اعتقاله عام 1978 وأفرج عنه مطلع 1983، لكنه لم يمكث طويلاً خارج السجن حتى اعتُقل مجدداً وأطلق سراحه في العام نفسه.
بعد خروجه عام 1983، تولى رئاسة مجلس طلبة جامعة بيرزيت لثلاث سنوات متتالية، وكان من أبرز مؤسسي حركة الشبيبة الفتحاوية. وفي عام 1984 اعتُقل مرة أخرى وخضع لتحقيق استمر لأسابيع قبل أن يُفرج عنه. وفي مايو/أيار 1985، اعتُقل مدة 50 يوماً تعرض خلالها لتحقيق قاسٍ، ثم فُرضت عليه الإقامة الجبرية قبل أن يُعتقل إدارياً في أغسطس/آب من العام نفسه.
مع اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، برز دوره في تشكيل القيادة الموحدة، ليصبح مطارداً من قوات الاحتلال التي اعتقلته وأبعدته إلى الأردن بقرار من وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين. من الأردن انتقل إلى تونس، حيث اقترب من قيادة الصف الأول في حركة فتح، وعمل مع خليل الوزير ورافقه في زيارته الأخيرة إلى ليبيا، قبل اغتيال الوزير بأيام.
في عام 1989، انتُخب عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح خلال مؤتمرها الخامس، وبقي في المنفى عضواً في اللجنة العليا للانتفاضة ومنخرطاً في القيادة الموحدة. عاد إلى الضفة الغربية في أبريل/نيسان 1994 عقب اتفاق أوسلو، وانتُخب نائباً لفيصل الحسيني، وتولى منصب أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية. كما انتُخب عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني عن دائرة رام الله عامي 1996 و2006، وكان أصغر النواب سناً.
قبل الانتفاضة الثانية، عمل البرغوثي على إعادة تنظيم حركة فتح في الضفة الغربية، فزار القرى والمخيمات وطور بنيتها التحتية بالتعاون مع المجالس البلدية وهيئات مختلفة، ووسّع نشاطه السياسي من خلال لقاءات مع ناشطي اليسار الإسرائيلي وجمعيات السلام العالمية، أملاً في أن تقود نتائج أوسلو إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.
لكن آماله تلاشت بعد شهر من اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 نتيجة تعثر تنفيذ الاتفاقيات، وأعلن حينها أن سلاح حركة فتح باقٍ حتى تحقيق الحرية والاستقلال. كان حضوره في الانتفاضة الثانية لافتاً؛ شارك في المظاهرات، قدّم واجب العزاء لعائلات الشهداء، حضر اللقاءات الصحفية، هاجم التنسيق الأمني، وطالب الأجهزة الأمنية بحماية الشعب وكوادر الانتفاضة واستهداف العملاء.
ظل البرغوثي مطارداً حتى اعتقاله من رام الله في 15 أبريل/نيسان 2002 مع أحمد البرغوثي، ذراعه الأيمن. وبعد تحقيقات ومحاكمات استمرت عامين، حُكم عليه بخمسة مؤبدات وأربعين عاماً بتهم الضلوع في قتل خمسة إسرائيليين والمشاركة في عمليات أخرى والانتماء إلى “تنظيم إرهابي”. وقد نفت الوثائق التي صادرها الاحتلال من مقرات السلطة أي صلة مباشرة له بالأعمال العسكرية، مؤكدة أن دوره كان تنظيمياً بالأساس، وأنه كان حلقة الوصل بين بعض مجموعات الكتائب وياسر عرفات، يمرّر طلبات الدعم المالي والعسكري إلى مكتب الرئيس.
