عماد العتابي
حين تقرأ مقالا يتحدث عن “أخلاق الصحافة” بقلم من جعل من غرف نوم الناس مادة للفرجة والابتذال، لا يسعك إلا أن تبتسم بسخرية مرة. أن ترى صاحب “شوف تيفي” أو من يدافع عنه أمثال عمر الشرقاوي ودافقير والرمضاني وهو يحاضر في الشرف المهني، يشبه مشهد العاهرة التي تنصّبت فجأة واعظة في الطهر والعفاف. والمفارقة هنا ليست في الشخص فقط، بل في زمن كامل صارت فيه التفاهة تتحدث باسم الأخلاق، والفضيحة تتقمص دور الحقيقة.
لكن المسألة أعمق من مجرد تناقض شخصي. فـ”شوف تيفي” وأخواتها ليست مجرد صدفة في المشهد الإعلامي المغربي، بل تعبير صريح عن سياسة كاملة.. سياسة تقوم على إغراق الرأي العام في التفاهة، وتحويل “الإعلام” إلى سيرك يومي يبيع الخصوصيات والشائعات بدل الحقائق والتحقيقات.
ولم يتوقف دور “شوف تيفي” عند صناعة التفاهة فقط، بل تعدّاه إلى لعب دور الذراع الإعلامي للبوليس السياسي، أداة جاهزة لمحاكمة الأصوات المزعجة وتشويه صورة النشطاء والمعارضين والتشهير بهم. بدل أن يواجه النظام أسئلة هؤلاء بالحوار أو النقاش العمومي، يسلّط عليهم كاميرا “شوف تيفي” لتسود وجوههم في الرأي العام، ولتحاكمهم محاكمات شعبية في “روم” افتراضي لا يختلف كثيرا عن محاكم التفتيش. نتذكر جميعا كيف جرى التعامل مع الفنانة غيثة، وكيف تحوّلت حياتها الخاصة إلى مادة رخيصة. هكذا تُحوَّل الكاميرا من وسيلة إخبار إلى سوطٍ للردع، ومنبر يُفترض فيه أن يخاطب العقول إلى منصة للتشهير وتصفية الحسابات.
هكذا وُلدت “شوف تيفي”، لا كمنبر إعلامي بالمعنى الكلاسيكي، بل كمنصة لتسويق الفضائح والشائعات والتشهير.
المخزن، في هذا السياق، لا يحتاج إلى قمع مباشر لكل رأي حر، بقدر ما يحتاج إلى إغراق الفضاء العمومي في الضجيج، بتفاهة هنا، فضيحة هناك، مشاحنات سطحية تُلهي الناس عن الأسئلة الكبرى. وهكذا يصبح المواطن مشغولا بتتبع “من خان من”، و”من تزوج من”، بدل أن يسائل واقعه؛ أين المدرسة؟ أين المستشفى؟ أين العمل؟
المدافعون عن هذا النوع من “المشاريع الإعلامية” يقدّمون حجة واحدة وهي الأرقام. يقولون لك أن القناة يشاهدها مئات الآلاف، وهذا دليل نجاح. لكن لو كانت الكثرة معيارا للأخلاق والقيمة، لكانت مواقع البورنو هي أرقى أشكال الإعلام، لأنها الأكثر زيارة في المغرب والعالم. منطق عبثي يختزل الشعب في غرائزه، ويختزل الصحافة في “شو” رخيص.
والأدهى أن هذا النمط من الإعلام لا يكتفي بتسويق الفضائح، بل يعمل على تطبيعها. فمع الوقت، يصبح من الطبيعي أن تستيقظ على شتائم على المباشر، وأن تنام على فضيحة أخلاقية جديدة، وأن تنغمس في تفاصيل حياة أشخاص لا علاقة لهم بك. ومع الوقت أيضا، تصبح الذاكرة قصيرة والوعي هشا، ويغدو النقاش العمومي أسير آخر “بوز” بدل أن يكون أسير القضايا المصيرية.
لذلك من السذاجة الاعتقاد أن “شوف تيفي” تعكس ذوق الشعب. هي تعكس ببساطة ما يريده النظام السياسي لهذا الشعب.. أن يكون جمهورا متفرجا، يتلهى بالفضائح الصغيرة، وينسى الأزمات الكبرى. هي ليست بالضرورة مرآة المجتمع، بل مرآة المخزن. حيث لا تكشف ما نحن عليه، بل ما يريدون لنا أن نكون عليه.
وهنا السؤال الجوهري، هل الشعب فعلا يركض وراء التفاهة طوعا، أم أن التفاهة هي ما يُقدَّم له في غياب بدائل إعلامية حرة، جادة، ومستقلة؟ الجواب واضح.
