لاهاي/ هولندا
في الخامس من ديسمبر 2025، شهدت مدرسة “De Regenboog” في مدينة Reeuwijk حدثاً غير معتاد ضمن احتفالات Sinterklaas، إذ وصل “القديس نيكولاس” إلى المدرسة باستخدام مركبة تابعة للجيش الهولندي. المشهد، الذي بدا للوهلة الأولى مجرد حل عملي لمشكلة فقدان مفتاح المدرسة، يكشف عند التدقيق عن بعد رمزي أعمق يعكس استراتيجية غير معلنة لتعويد المجتمع على وجود القوات المسلحة في الحياة اليومية، تمهيداً لتقبل دور الجيش أثناء الطوارئ والأزمات الكبرى.
في الوقت نفسه، تدفع الحكومة الهولندية المواطنين منذ أشهر إلى الاستعداد الجدي للطوارئ، مع احتمال انقطاع الكهرباء والإنترنت والمياه لمدة تصل إلى ثلاثة أيام أو أكثر. وقد أرسلت السلطات كتيب الطوارئ إلى كل المنازل في البلاد، يوضح كيفية تجهيز حقيبة الطوارئ لمدة 72 ساعة تشمل الماء والطعام والبطاريات والنقد، وما يجب فعله في حال توقف البنية التحتية الأساسية. هذا التوجيه الرسمي يضع المجتمع المدني في قلب منظومة الاستعداد، ليس كمتلقٍ سلبي للمساعدة، بل كعنصر فعال قادر على التعامل مع الأزمة في الساعات الحرجة الأولى قبل تدخل الجهات المختصة.
وصول Sinterklaas عبر مركبة الجيش، إذن، ليس مجرد حادث طريف أو ابتكار محلي، بل يمكن تفسيره كجزء من استراتيجية أكبر للهيئة الهولندية لتعويد المواطنين على رؤية الجيش كجزء من المشهد المدني المألوف. الأطفال الذين شاهدوا الشخصية الرمزية وهي تنزل من مركبة عسكرية تلقوا بشكل غير مباشر رسالة ضمنية بأن الجيش جزء من حياتهم اليومية، وأن حضوره في الشوارع ليس أمراً مقلقاً، بل جزء من الاستعداد المجتمعي للطوارئ.
هذا الربط بين الحدث الاحتفالي والاستعداد الوطني يعكس بعدا نفسيا وثقافيا. فالاعتراف بوجود الجيش في الحياة اليومية، حتى في سياق احتفالي، يخلق ألفة مجتمعية تساعد على تقبل أي تدخل محتمل للقوات المسلحة عند وقوع أزمات حقيقية، سواء كانت انقطاعا للتيار الكهربائي والانترنت، هجمات سيبرانية، كوارث طبيعية، أو أي تهديد آخر للبنية التحتية. من هذا المنطلق، يمكن القول إن الدولة تستخدم الرموز الثقافية والاجتماعية لتهيئة المواطنين ذهنيا لتقبل دور الجيش عند الطوارئ، ما يعزز صمود المجتمع ويجعل الانتقال إلى حالة الطوارئ أقل صدمة وأكثر انسيابية.
تعليق مديرة المدرسة، الذي أشار إلى أن من يفهم مضمون النقل يمكن أن يرى أن الدولة تحاول جعل هذا الأمر طبيعياً، يعكس هذا البعد الرمزي بوضوح. الحدث لم يكن مجرد حل لمشكلة مفتاح مفقود، بل رمزاً دقيقاً لكيفية دمج القوات المسلحة في الحياة المدنية، وتقديمها أمام أعين المواطنين كعامل أمان واحتياطي عند الحاجة.
إن ظهور الجيش في مناسبة ثقافية للأطفال، متزامنا مع حملة الحكومة لتحفيز المواطنين على الاستعداد الجدي لأيام تكون قاسية قد تحدث في أي يوم، يظهر كيف يمكن المزج بين الاستعداد الواقعي والطوارئ، والاستعداد النفسي والمجتمعي، في خطوة استراتيجية تهدف إلى رفع الجاهزية المجتمعية الشاملة.
ما بدا احتفالا بسيطا يحمل في طياته رسالة سياسية وأمنية، وهي أن الجيش موجود دائما لحماية المجتمع، وأن التعود على رؤيته في الأماكن العامة هو جزء من الثقافة الوطنية للأمن والاستعداد للطوارئ.
