عماد العتابي
يبدو أن الحكومة المغربية وجدت أخيرا الوصفة السحرية لحماية الانتخابات من “الأخبار الزائفة” و”التشكيك المغرض”، ففي خطوة تشريعية أثارت جدلا واسعا، أُعلن في المغرب عن مشروع قانون جديد يعاقب بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات، وغرامة مالية تصل إلى مئة ألف درهم، لكل من “يبث أو يوزع أو يشارك” محتوى من شأنه التشكيك في نزاهة الانتخابات أو في المرشحين.
بهذا النص، لا يجرّم المشرّع الكذب بقدر ما يجرّم الشكّ نفسه، في سابقة تُحوّل الرأي إلى تهمة، والتساؤل إلى جناية.
تقول الحكومة إن الهدف هو حماية العملية الانتخابية من الأخبار الزائفة، لكنّ الصياغة الفضفاضة للنص تفتح الباب أمام تأويلات قد تُستخدم لتكميم الأصوات المنتقدة. فالقانون لا يميّز بين التشهير المتعمّد وبين النقد المشروع، ولا بين الادعاء الكاذب وبين التساؤل المشروع حول شفافية المسار الانتخابي. بهذا المنطق، يصبح الطريق إلى “نزاهة” الانتخابات يمرّ عبر قاعة المحكمة لا عبر صناديق الاقتراع.
في الدول الديمقراطية، يُعدّ التشكيك في نزاهة الانتخابات جزءا أصيلا من النقاش العام، بل واجبا صحفيا وسياسيا. أما في الحالة المغربية، فإن مجرد “إعادة نشر” منشور أو مشاركة تساؤل على مواقع التواصل الاجتماعي قد يُفسَّر كتعدٍّ على قدسية العملية الانتخابية.
والمفارقة أن القانون، وهو يرفع شعار “حماية الحياة السياسية”، ينتهي إلى فرض وصاية فكرية على المواطن، كأنه يقول له؛ فكّر كما نشاء، وصدّق كما نريد.
إن بناء الثقة بين المواطن وصندوق الاقتراع لا يتحقق بالمنع والعقوبة، بل بالشفافية والمحاسبة وحرية الإعلام. فالقانون الذي يحمي الانتخابات من النقد لا يحميها من التزوير، بل يحمي التزوير من النقد.
وحين تحتاج السلطة إلى معاقبة الشكّ، فذلك يعني أنها فقدت ثقتها في نفسها قبل أن يفقدها الناس فيها. هكذا تتحول الديمقراطية إلى طقسٍ من الطاعة السياسية، لا إلى ممارسة للمساءلة.
ولعلّ عبد الرحمن منيف كان محقا حين كتب ساخرا؛ “في الديمقراطية، يمنحونك حق اختيار الطريقة التي ستُعدم بها.”
أما النسخة المغربية فتبدو وكأنها تقول: “اختر الطريقة التي ستصمت بها.. حفاظا على نزاهة الإنتخابات.”
