هاجر الريسوني
ما شاهدناه أمس كان مرعبا ومخيفا. أعمال التخريب كانت صادمة وأدينها بشدة، لأنها استهدفت ما هو ملك لنا نحن المغاربة، لا ملك السلطة. لكنها في الوقت نفسه لم تكن مفاجئة لجل المغاربة، بالنظر إلى المدن التي وقعت فيها الأحداث، مدن مهمشة، بلا فرص شغل ولا تعليم. جزء كبير من ساكنتها يعيش يومه بيومه، وبعض الشباب يلتجئون إلى المخدرات لنسيان ما يعيشونه من ضياع للمستقبل وغياب للأفق، فتتولد لديهم مشاعر الغضب. ما نعيشه اليوم هو حصاد سنوات طويلة من القطيعة بين الدولة والمجتمع. الثقة التي يفترض أن تكون أساس العلاقة بين المواطن ومؤسساته انهارت، حتى صار الناس يرون في الدولة خصما لهم.
هؤلاء الملثمون الذين ينتقدون ويحاكمون اليوم هم منا، لكن تخلي الدولة عن أبنائها هو ما أوصلهم إلى هذا المستوى. أنا لا أبرر لهم، لكن حين نحاكمهم يجب ألا ننسى السياق الذي نشأوا فيه والظروف التي يعيشونها. لا يمكن أن نطالبهم بالمواطنة بينما الدولة لم تمنحهم يوما إحساسا بأنهم مواطنون وأن صوتهم مسموع. لذلك على الدولة، حين تحاسبهم، أن تحاسبهم على الفعل الذي ارتكبوه فقط، لا أن تتحول محاكمتهم إلى عملية انتقامية.
لكن في المقابل، شاهدنا سيارات شرطة تدهس المواطنين، ورجال أمن يعنفون الناس. شاهدنا مستوى عنف غير مسبوق. هؤلاء كانوا يدهسون باسم الدولة، ويعنفون باسم الدولة. فمن يحمي المغاربة من بطشهم وعنفهم؟ لم تكن حالة معزولة حتى نقول إنه سلوك فردي غير ممنهج، بل عشرات المقاطع تم تداولها. منذ سنوات والدولة لا تحسن إلا القمع والعنف، وهذا كان جوابها على كل الحركات الاجتماعية السلمية، على كل صوت غرد خارج السرب. بمعنى أن الدولة اليوم تحصد العنف الذي مارسته طوال هذه السنوات ضد مواطنيها.
والسؤال الآن: ما الحل؟ الحل ليس في اعتقال المئات والحكم عليهم بعقود من السجن، بل في الاستماع إلى مطالب الناس، وتحسين ظروف حياتهم، والاعتذار لهم، والقيام بإصلاحات حقيقية، ومحاسبة المتورطين في كل هذه الانتهاكات، واستئصال “النكافات” من الإعلام والسياسة وكل الميادين. هؤلاء لا يحبون المغرب، ولا يريدون الخير لهذا البلد.
من يحب هذا الوطن يقول الحقيقة كاملة. فرجاء اسمعونا.
