في خطوة غير اعتيادية، أعلنت وكالة الفضاء الأميركية ناسا عن تفعيل شبكة الدفاع الكوكبي، وهي منظومة علمية دولية تُعنى بمراقبة الأجرام الفضائية القريبة من الأرض وتنسيق الجهود العالمية في حال ظهور أي خطر محتمل على الكوكب.
ويأتي هذا الإجراء في أعقاب رصد جرم فضائي غامض يحمل اسم 3I/ATLAS، يقترب من النظام الشمسي في مسارٍ غير مألوف قادما من أعماق الفضاء بين النجوم.
الجرم الذي تم رصده للمرة الأولى خلال شهر أكتوبر الجاري، يُظهر خصائص غير عادية في حركته وسرعته وانعكاسه للضوء، ما أثار اهتمام العلماء حول العالم ودفع وكالة ناسا إلى إطلاق حملة مراقبة مكثفة هي الأولى من نوعها منذ عدة أعوام.
وبحسب البيان الصادر عن مكتب تنسيق الدفاع الكوكبي (PDCO) في ناسا، تهدف الحملة إلى “جمع أكبر قدر ممكن من البيانات حول الجرم وتحديد مداره بدقة عالية”، بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية وشبكة التحذير الدولية من الكويكبات (IAWN)، إلى جانب مئات المراصد الأرضية والفضائية المنتشرة حول العالم.
وأكدت ناسا أن تفعيل شبكة الدفاع الكوكبي لا يعني وجود خطر داهم، بل يأتي في إطار تدريب علمي واقعي يهدف إلى اختبار كفاءة منظومة الرصد والاستجابة في حال ظهور تهديد فضائي مستقبلاً.
ويُعد هذا النوع من الحملات العلمية فرصة نادرة لتوحيد الجهود الدولية في ميدان ما يُعرف بـ “الدفاع الكوكبي”، وهو المجال الذي يختص برصد الأجسام القريبة من الأرض وتحليل احتمالات تصادمها بالكوكب واتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة.
ويشير خبراء الفضاء إلى أن هذا التوقيت يحمل أهمية خاصة، إذ من المتوقع أن يمر الجرم 3I/ATLAS بأقرب نقطة له من الأرض في أواخر ديسمبر المقبل، وأن مداره لا يزال يحتاج إلى المزيد من القياسات الدقيقة لتحديد طبيعته.
ويرجّح العلماء أن يكون هذا الجرم إما مذنّباً نشطاً أو كويكباً بين نجمياً، إلا أن بعض سلوكياته المدارية غير المعتادة دفعت بعض الباحثين إلى وصفه بأنه “أحد أكثر الأجسام غموضاً التي تمت مشاهدتها منذ ʻOumuamua في عام 2017”.
ومع تصاعد الاهتمام الإعلامي، بدأت تبرز على وسائل التواصل الاجتماعي تفسيرات وتكهنات مثيرة للجدل. فقد أشار بعض المعلقين والباحثين المستقلين إلى احتمال أن يكون الجرم مركبة فضائية بين نجمية أو جسما اصطناعيا أرسلته حضارة متقدمة، مستندين إلى ملاحظات حول تسارعه غير المفسر بدقة وانعكاساته الضوئية المتغيرة.
ورغم أن هذه الفرضيات تبقى غير مثبتة علمياً، فإنها ساهمت في زيادة الاهتمام العالمي بالحدث، خاصة أن سلوك 3I/ATLAS لا يتطابق تماماً مع خصائص المذنّبات أو الكويكبات المعروفة.
من جانبها، شددت ناسا على أن جميع البيانات حتى الآن تشير إلى أن الجرم لا يشكل أي خطر مباشر على الأرض، وأن الحملة الجارية تهدف فقط إلى دراسة هذا الزائر الكوني الغريب ضمن برنامج بحثي شامل.
وأضافت الوكالة أن تفعيل شبكة الدفاع الكوكبي في هذا التوقيت يتيح فرصة علمية نادرة لدراسة جسم قادم من خارج النظام الشمسي باستخدام أحدث أجهزة الرصد والطيف الضوئي والرادارات المتقدمة، إلى جانب كونه تدريباً عملياً لقياس مدى جاهزية منظومة الدفاع الكوكبي التي أنشئت بعد نجاح مهمة DART عام 2022 في تغيير مسار كويكب صغير بالفعل.
اللافت أن هذه الحملة تُدار بتنسيق غير مسبوق بين وكالات الفضاء حول العالم، وتحت إشراف لجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء للأغراض السلمية (COPUOS)، في إطار الجهود الدولية لتطوير خطة استجابة موحدة لأي تهديد فضائي محتمل في المستقبل.
ويعتبر الخبراء أن هذا الحدث يمثل “اختباراً حقيقياً لقدرة المجتمع العلمي العالمي على التعاون السريع والفعّال في مواجهة ظواهر فلكية غير متوقعة”. ومع أن العلماء لا يتوقعون أي اصطدام، فإن وجود جرم قادم من الفضاء بين النجوم، يتصرف بطريقة غير مألوفة، يعيد إلى الواجهة سؤالاً فلسفيا وعلميا في آن:
هل نحن وحدنا في هذا الكون، أم أن هناك زوارا عابرين يمرّون قرب عالمنا من حين لآخر؟حتى الآن، تبقى الإجابة في ميدان المراقبة والتحليل، بينما تواصل شبكة الدفاع الكوكبي عملها بصمت ودقة، في مهمة هدفها المعلن؛ ضمان سلامة الأرض، وفهم أعمق لما يختبئ خلف حدود نظامنا الشمسي.
