يبرز الجدل الأخير حول “لجنة أخلاقيات المهنة” كأحد النماذج الكاشفة لطبيعة الحقل الإعلامي في المغرب، وللكيفية التي تتفاعل بها شبكات النفوذ داخله مع الأصوات المنتقدة. ففي الوقت الذي تفجّرت فيه فضيحة من العيار الثقيل (تسريبات حميد المهدوي) ومعطيات تُوجّه اتهامات جدّية بوجود اختلالات عميقة وخطيرة داخل اللجنة، ذات الدور المركزي في ضبط المعايير المهنية، برزت محاولة واضحة لإعادة توجيه النقاش بعيدًا عن جوهر الأزمة.
لم يتجاوز النقاش المرتبط بالصحافية فاطمة الإفريقي بضع تدوينات مشتتة لأسماء غير معروفة على نطاق واسع. ورغم محدوديته، جرى تضخيم هذا الجدل وتحويله إلى ما يشبه “قضية رأي عام”، تُقدّم بوصفها اعتداءً على صحافية بسبب رأي مهني.
لكن القراءة الدقيقة تُظهر أن النقاش الأصلي كان في جوهره اختلافًا مهنيًا مشروعًا حول تقييم موقف معين، وليس حملة أو استهدافًا. وهو اختلاف ينتمي إلى الإطار الطبيعي للتفاعل في فضاء مهني من المفترض أنه يحتمل التباين في الرؤى.
المفارقة أن موقف الإفريقي، الذي استند إلى قراءة مثالية لأخلاقيات المهنة، أثار استغرابا واسعا، ليس رفضًا للأخلاقيات ذاتها، بل لكون هذه المثالية تنفصل عن الواقع السياسي والإعلامي الذي يعيش في ظله الصحافيون، حيث تتقاطع الضغوط السلطوية وتكميم الأفواه مع شبكات المصالح وتتحكم في مساحات التعبير والعمل.
أكثر ما لفت الانتباه هو الصمت الكامل الذي التزمه عدد من “الصحافيين” و”نكافات” المخزن المعروفين بقربهم من مراكز النفوذ، والذين لم يعلّقوا بكلمة واحدة على جوهر الفضيحة داخل اللجنة. هؤلاء أنفسهم خرجوا فجأة بتدوينات مكثفة تعبّر عن تضامنهم مع الإفريقي، وفي الوقت نفسه تُهاجم الأصوات التي كشفت اختلالات اللجنة.
هذا السلوك لا يمكن فصله عن آليات التحكّم في السردية داخل الوسط الإعلامي، حيث يجري افتعال أو دعم قضايا هامشية يمكن التحكم في تأويلها، مقابل إسكات النقاشات التي تمس المؤسسات المتحكمة أو تفضح بنيتها الداخلية.
تُعد هذه الممارسة شكلا من أشكال “إدارة الانتباه” عبر خلق معركة جانبية تُغرق الفضاء العام في جدل أخلاقي أو عاطفي، وتدفع الجميع إلى الانخراط فيها على حساب النقطة الجوهرية؛ وهي مطالبة لجنة الأخلاقيات بتفسير ما نُسب إليها من تجاوزات، وتبرير طريقة اشتغالها التي يُنظر إليها باعتبارها جزءًا من شبكة أوسع من العلاقات المهنية والسلطوية.
الواقع يبيّن أننا أمام تحوير متعمّد للنقاش من مساءلة مؤسسة ذات وظيفة رقابية حسّاسة إلى افتعال قضية شخصية تُستخدم لشيطنة المنتقدين.
وفيما تتواصل التدوينات التضامنية وتستمر المعارك الهامشية، تظل الأسئلة المركزية معلّقة؛ كيف تعمل لجنة الأخلاقيات؟ من يحاسبها؟ وأين تنتهي المسؤولية المهنية وتبدأ حماية الشبكات المغلقة ومافيا القضاء والسياسة؟

بلاغ صادر عن المائدة المستديرة حول: ما العمل بعد فضائح لجنة الأخلاقيات
احتضنت منظمة حريات الإعلام والتعبير- حاتم مائدة مستديرة تحت عنوان: حرية الإعلام والراهن المغربي، ما العمل بعد فضائح لجنة الأخلاقيات؟
ونظم اللقاء بنادي المحامين بالرباط يوم 29 نونبر 2025 بمشاركة منظمات مهنية وهيئات حقوقية مدنية وفعاليات من مشارب متنوعة واهتمامات متعددة.
وخلص اللقاء الى العمل على تطوير الدينامية التي انطلقت بعد تمرير مشروع القانون الخاص بالمجلس الوطني للصحافة وبناء تكتل ديمقراطي من أجل استقلالية الإعلام وحرية الصحافة، وتداولت المائدة المستديرة في عدة مقترحات وتوصيات للإجابة على سؤال: ما العمل بعد فضائح لجنة الأخلاقيات؟ وسيتم العودة لها فيما بعد.
وألح الحاضرون على إصدار بلاغ باسم المشاركين في المائدة المستديرة يؤكد بشكل مستعجل على ضرورة قيام السلطات المعنية ب:
ـ السحب الفوري ل” مشروع تعديل قانون المجلس الوطني للصحافة ” من مجلس المستشارين، ليخضع لإعادة الصياغة بمشاركة فعلية للصحافيات والصحافيين.
ـ الإيقاف النهائي والفوري لمهام كافة أعضاء اللجنة المؤقتة التي انتهت ولايتها الممددة، وانتفت شرعيتها قبل وبعد جلسة “لجنة الأخلاقيات” المكشوف عنها، والتي أعدمت خلالها الأخلاق والأخلاقيات.
وعبرت المداخلات والكلمات خلال اللقاء عن اعتزازها بتكاثف جهود وإرادات مختلف الإطارات والفعاليات لمجابهة الإجهاز على مقومات الإعلام الحر والمهني …
كما حيت عاليا انتفاضة العشرات من الصحافيات والصحافيين الموقعين على البيان المشترك والمشاركين في الوقفة المتميزة أمام وزارة الثقافة والشباب والتواصل يوم 28 نونبر 2025.