أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية، بينها القناة 14، مقتل ياسر أبو شباب في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، في حادثة ما تزال ملابساتها غامضة وسط روايات متضاربة حول الجهة التي نفّذت عملية الاغتيال. ووفق ما نقلته تقارير إسرائيلية ودولية، فقد قُدِّم أبو شباب خلال الشهور الماضية كأحد أبرز قادة مجموعات مسلّحة محلية تتعاون مع جيش الإحتلال الإسرائيلي في مناطق جنوب القطاع.
برز إسم أبو شباب خلال حرب غزة الأخيرة مع ظهور ما عُرف بـ”القوات الشعبية”، وهي مجموعات وصفتها تقارير إسرائيلية بأنها تعمل بالتنسيق مع جيش الاحتلال في بعض المناطق لتثبيت نفوذ محلي مقابل دعم لوجستي وتسليحي.
ورغم أن تلك المجموعات لم تملك حضورا تنظيميًا صلبا، فإنها شكّلت، وفق محللين، نموذجًا للرهان الإسرائيلي على قوى محلية بديلة يمكن توظيفها في مرحلة ما بعد العمليات العسكرية.
مقتل أبو شباب أعاد طرح أسئلة قديمة حول طبيعة العلاقة بين الكيان الصهيوني والأطراف المحلية التي تُتهم بأنها وفّرت لها الغطاء أو المعرفة الميدانية خلال الحرب.
يرى مراقبون أن “إسرائيل” تعتمد تاريخيًا على شبكات محلية لتحقيق أهداف قصيرة المدى، ثم فور تراجع فائدتها أو تحولها لعبء أمني، تتخلى عنها أو تتركها لمصيرها في بيئة معادية.
وفي حالة أبو شباب، يشير توقيت الاغتيال وطبيعته إلى احتمال أن دوره انتهى، وأن بقاءه حيًا بات يسبب إحراجا سياسيا لإسرائيل بعد الكشف عن طبيعة الدعم الذي تلقّاه. وحساسية ميدانية مع تصاعد الاحتقان الشعبي تجاه المجموعات المتعاونة، وتحديا أمنيا، خاصة إذا ما بدأ نفوذه يتزايد بعيدا عن السيطرة المباشرة.
رواية أخرى لا يمكن استبعادها تشير إلى أن فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها القسام، هي من نفذت العملية، سواء ثأرا أو استهدافا لمن اعتبرته مسؤولًا عن أعمال أمنية خطيرة خلال الحرب.
رواية ثالثة تقول إن انهيار شبكته واحتدام الخلافات داخل “الميليشيا” قد أدّى إلى تصفية داخلية بعد خلافات على النفوذ أو الرواتب أو الولاء.
فلماذا تخلّت إسرائيل عنه؟ قراءة في منطق “الدولة” العبرية
يعتمد السلوك الإسرائيلي، تاريخيا وفي مناطق عديدة، على 3 مبادئ في إدارة “العناصر المحلية المتعاونة”:
المبدأ الأول: “الاستخدام ثم التخلص”
ما دام العنصر يشكّل قيمة ميدانية، تتم حمايته؛ وحال انتهاء دوره يُترك لمصيره أو يُسرب موقعه، أو يتم التعامل معه بصمت.
المبدأ الثاني: تجريم الارتباط بعد انتهاء الحاجة
الاحتفاظ بعناصر تعاونت قد يشكل عبئًا سياسيا أو إعلاميا، خاصة في مرحلة ما بعد العمليات العسكرية حيث تتزايد المطالبات بالتحقيق وكشف الحقائق.
والمبدأ الثالث والأخير: منع تحوّلهم إلى قوة موازية
إسرائيل لا تسمح عادةً بظهور قوى محلية تبدأ باكتساب نفوذ مستقل خارج رغبتها. وبمجرد شعورها أن الطرف المحلي بات “أكبر من حجمه”، يصبح تصفيته أو إضعافه مسألة وقت.
فما هي تداعيات مقتل أبو شباب على المشهد الغزّي؟؟
سقوط رهان إسرائيل على نموذج “القوات الشعبية/الميليشيا”، ما يمثّل ضربة لمشروعها في خلق بدائل محلية للفصائل. وتعزيز رواية المقاومة بأن “كل من يرتبط بإسرائيل يصبح هدفا لاحقا”، ما قد يقلل الرغبة المحلية في التعاون مستقبلًا.
فراغ أمني في المناطق التي كان ينشط فيها، قد يدخلها صراع نفوذ بين مجموعات محلية.
وتصاعد الغضب الشعبي ضد أي مجموعات اُتُّهمت بالتعاون، ما قد يؤدي إلى موجة تصفيات جديدة.
في المحصلة، مقتل ياسر أبو شباب لا يبدو حادثا فرديا أو معزولا، بل هو وفق معطيات عدة، علامة على انهيار مشروع إسرائيلي قصير المدى اعتمد على عناصر محلية ثم تخلى عنها بمجرد انتهاء صلاحيتها.
وإذا كان أبو شباب قد مثّل نموذجًا لهذا الرهان، فإن نهايته تشير إلى أن إسرائيل لا تبني شركاء، بل أدوات؛ وعندما تتآكل فائدة الأداة، يجري التخلص منها وبسرعة.
