عماد العتابي
في خضم التحولات الجيوسياسية التي تضرب المنطقة، تظل مصر الحصن الأخير الذي يقف في مواجهة مشروع التفكيك الذي يستهدف الشرق الأوسط منذ ما يُعرف بـ”الربيع العربي” المشؤوم. هذا الكلام لا ينبع من نظرية المؤامرة، إنما قراءة متأنية لسياق الأحداث وتتبع دقيق لمسار الأحداث منذ انطلاق الربيع العبري.
المنطقة تتعرض لعملية إعادة هندسة كبرى، تسير وفق أجندات معلنة أحيانا، ومبطّنة أحيانا أخرى. من العراق إلى سوريا، من ليبيا إلى السودان، لم يبقَ من الدول المحورية التي لم تسقط بعد سوى مصر والجزائر، مع تماسك نسبي في دول الخليج بفعل الحماية الغربية، لا بفعل الاستقلال السيادي الكامل. وسقوطها مرتبط بسقوط مصر وإعلان مشروع “إسرائيل الكبرى”
لكن مصر تحت الضغط. ضغط اقتصادي خانق، حرب نفسية وإعلامية ممنهجة، وحصار إقليمي يتلوّن بأقنعة دبلوماسية، ومؤخرا ارتفعت تحذيرات غير مباشرة من أطراف دولية تلوّح بعصا “البديل” إذا لم يتم الانصياع للمطلوب.
هناك حديث متصاعد عن محاولات لاختراق المؤسسة العسكرية عبر أدوات متعددة، منها شبكات المصالح، والاختراقات الخارجية، وحتى الحركات الإسلامية (الإخوان المسلمين) التي يتم إعادة تدويرها الآن لتؤدي دورًا جديدا، ليس في المعارضة، بل كأداة تفكيك ممنهج من الداخل، بإشراف وتخطيط استخباراتي غربي–خليجي.
من ناحية أخرى، جاءت تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو حول “أرض إسرائيل الكبرى” شرق النيل، بالتزامن مع طرح سيناريوهات التهجير الكامل للفلسطينيين من غزة إلى سيناء، لتكشف النقاب عن النوايا الفعلية التي تتجاوز غزة، وتمتد إلى العمق المصري، ديمغرافيًا وجغرافيًا.
مصر، إن سقطت، فلن تسقط وحدها. ستتدحرج بعدها أحجار الدومينو المتبقية. ستُقَسَّم كما قُسِّمت دول غيرها، وستُجرد من هويتها كما جُردت من قبلها. ولن تكون القضية الفلسطينية مجرد “قضية مؤجلة”، بل قضية منتهية، يُحسم مصيرها في صحراء سيناء.
ولذلك، فإن فتح قنوات تواصل مصرية مع دول مثل إيران والعراق ليس خيارا عبثيا، بل محاولة للخروج من دائرة الحصار، وإعادة التموضع، بدل البقاء تحت رحمة إدارة صهيوأمريكية تتقن اللعب بالنار، وتمتلك أدوات التخريب.
الجبهة الداخلية المصرية بحاجة إلى تماسك أكثر من أي وقت مضى. ليس فقط حول القيادة، بل حول بقاء الدولة ذاتها. لأن ما يُخطَّط له ليس تغيير نظام، بل إزالة وطن من الخريطة. ومصر ليست مجرد بلد كبير في الإقليم. إنها الجدار الأخير أمام الفوضى الشاملة، والظلامية المسلحة، والتقسيم العرقي والطائفي، الذي يحول شعوب المنطقة إلى قبائل، والدول إلى ساحات حرب لا تنتهي.
من لا يدرك حجم المؤامرة، فهو إما مغفَّل أو متواطئ. ومن يراهن على سقوط مصر، فليعلم أن المنطقة كلها ستسقط بعدها في فراغ لا رجعة منه.
