عماد العتابي
يبدو أن مستشفى الحسني بالناظور قد اكتشف أخيرا وصفة سحرية لتوفير التجهيزات الطبية. فلا حاجة للصفقات بعد اليوم، ولا لتأهيل البنيات، ولا لسنوات من التخطيط… يكفي فقط أن يزور وزير الصحة المدينة، فتسقط المعدات من السماء كما يتساقط المطر! فجأة، تتجلى أجهزة الأشعة التي كانت غائبة، ويظهر الأطباء والممرضون الذين كان المرضى يبحثون عنهم بالمجهر، وتتحول الممرات التي يعرفها المواطنون مثل “دهاليز مظلمة ومهترئة” إلى فضاءات مضاءة بالنظام والانضباط. إنه مشهد أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع.
لكن المفارقة أن هذه “المعجزة الطبية” لا تدوم إلا بقدر ما تدوم الزيارة الرسمية. فما إن يغادر الوزير، حتى تعود الأمور إلى طبيعتها، يختفي الأطباء فجأة، يحدث نقص في الأطر التمريضية، ثم أعطاب متكررة في الأجهزة، ومرضى يضطرون للرحيل نحو وجدة أو الرباط لإنقاذ حياتهم
الريف، الذي دفع غاليا ثمن التهميش في ملفات عدة، ما زال يؤدي فاتورة قاسية في قطاع الصحة. الناظور والدريوش والحسيمة وامزورن والنواحي وبركان… مناطق تعيش تحت رحمة بنية صحية متآكلة، حيث يصبح الحق الدستوري في العلاج مجرد شعار للاستهلاك السياسي. المستشفى الحسني، بصفته أكبر منشأة صحية في الإقليم، يعاني من ضغط يفوق طاقته بأضعاف، لكنه لا يتلقى من الدعم إلا ما يكفي لالتقاط الصور خلال زيارات رسمية.
إن الحديث عن تعزيز المستشفى بعشرة أطباء و50 ممرضاً، رغم أهميته، يبقى مجرد “ترقيع” أمام حجم الخصاص المزمن. فالمشكل في الريف ليس فقط في الأعداد، بل في غياب رؤية متكاملة تضمن البنية التحتية، الأجهزة الحديثة، الموارد البشرية المستقرة، وحسن التدبير.
ما يثير السخرية أن هذه ليست المرة الأولى التي تتحول فيها المؤسسات الصحية إلى “مسرحيات بروتوكولية”. قبل أي زيارة لمسؤول، تبدأ عملية تلميع عاجلة، تنظيف وطلاء الجدران، إصلاح مؤقت، نشر أطباء من “المجهول”، وإخفاء مظاهر الإهمال والفوضى. لكن المواطنون أصبحوا يعرفون جيدا أن المستشفيات المغربية تملك وجهين؛ وجه حقيقي كالح لا يظهر إلا للمرضى، ووجه رسمي براق يطلّ فقط أمام الكاميرات.
إلى متى سيظل الريف يعيش هذه المفارقة؟ هل يحق للوزير أن يرى “مستشفى سويسرياً” بينما يعيش المواطنون “مستشفى طوارئ بدائياً” في أيامهم العادية؟ أليس الأجدر أن تُصرف الجهود في تحسين الخدمات اليومية، لا في إعداد ديكور مؤقت لزيارة عابرة؟
إن الصحة في الريف ليست “خشبة مسرح” تعرض عليها مسرحيات الوزير التافهة بل قضية حياة أو موت. وحين يضطر مواطن في الدريوش أو الحسيمة إلى قطع مئات الكيلومترات فقط لإجراء فحص بسيط، فهذا يعني أن السياسات الصحية لم تصل بعد إلى معناها الحقيقي، ألا وهي خدمة المواطن حيث هو.
نعم قد تسقط التجهيزات من السماء عند حضور الوزير، لكن ساكنة الريف تعرف أن السماء لا تمطر أطباء ولا ممرضين ولا بنى تحتية. ما يسقط حقا هو صبر الناس، وما يتآكل هو ثقتهم في وعود لا تتجسد إلا في البيانات الرسمية.
إن المطلوب اليوم ليس مسرحية جديدة، بل إصلاح حقيقي يضع صحة المواطن في صدارة الأولويات. أما غير ذلك، فستظل التجهيزات تختفي وتظهر مثل خدعة بصرية، وسيبقى الريف ينتظر “المعجزة” التي لا تأتي.
