تأتي قضية الطفل الراعي محمد بويسليخن لتضع أمام المجتمع المغربي اختبارا حقيقيا لقيم العدالة والمساءلة، فهي لم تعد مجرد حادثة مأساوية عابرة، بل رمزا للصراع المستمر بين قوى الظلم المستشري والفئات الفقيرة والهشة من جهة، وبين مناضلين يؤمنون بقيم الإنسان والعدالة من جهة أخرى.
أكدت لجنة الحقيقة والمساءلة أن الطفل تعرض للقتل، وليس للانتحار كما روجت بعض الجهات، وهو كشف صارخ للتواطؤ المحتمل من السلطات المفترض بها حماية الأطفال والمواطنين.
في هذا السياق، لا يمكن فصل القضية عن الواقع الاجتماعي والسياسي الذي يعيش فيه المغرب، حيث ما تزال علاقات الإنتاج الإقطاعية حاضرة في مناطق واسعة، مما يجعل الإنسان في سلم القيم أقل من أي سلعة أو حيوان في ضيعة الإقطاعيين.
هذه البيئة تخلق فجوة هائلة بين السلطة والفقير، وبين قوة الدولة المتجبرة وقدرة المواطن العادي على الدفاع عن نفسه. لكن ما يميز هذه القضية هو ظهور جهود قلائل من المناضلين الذين تحدوا هذه البيئة المستحيلة، وواجهوا المخاطر لجمع الأدلة وكشف الحقيقة، مدفوعين بقيم العدالة والمساواة، الذين لعبوا دورا أساسيا في توثيق وتتبع الأحداث وإظهار الحقائق رغم كل الضغوط.
لكن الجهود الفردية والجماعية لم تواجه التحديات وحدها، إذ كشفت التحقيقات أيضا عن اختراقات داخل بعض الفروع التابعة لجمعية حقوقية، حيث انحاز بعض المنتسبين لها إلى مصالح السلطة، ما يطرح تساؤلات حول استقلالية المؤسسة وقدرتها على العمل بنزاهة وحياد، ويذكرنا أن حماية حقوق الإنسان لا تتحقق إلا بمؤسسات شفافة ومؤهلة للمساءلة.
تظهر هذه القضية كذلك الفارق بين تزوير الحقيقة واستعداد المناضلين للتضحية، حيث يمكن اعتبار كشف الحقيقة عن طفل قتل بدم بارد، بينما حاولت السلطات تحويل الحدث إلى انتحار، معركة رمزية تمثل صراعا بين قيم الإنسانية العليا والفساد المستشري في كل مفاصل الدولة المغربية، وهي معركة تتجاوز الأرقام والإحصائيات لتصل إلى جوهر ما يعنيه الدفاع عن حياة الإنسان، مهما كانت ضعيفة.
على المستوى التحليلي، يمكن قراءة هذه القضية كمرآة للمجتمع المغربي، حيث تتقاطع الطبقات الاجتماعية، والتاريخ السياسي، وعقلية بعض النخب مع مصائر الأفراد الأكثر هشاشة. كما تبرز الحاجة إلى صحافة حرة ومستقلة، قادرة على تسليط الضوء على حالات الظلم، وتحليلها بموضوعية، دون الانجرار وراء التضليل الرسمي أو التأثر بالمصالح السياسية.
في النهاية، تظل قضية محمد بويسليخن علامة فارقة في مسار حقوق الإنسان بالمغرب، ودعوة لكل مؤسسات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية إلى تعزيز استقلاليتها، وحماية الأطفال والفئات الضعيفة، ومواصلة كشف الحقيقة رغم كل الصعاب.
إن الجهود التي بذلها المناضلون الشرفاء وعلى رأسهم المناضل الحقوقي ” كبير قاشا” هي دليل حي على أن التضحية والإيمان بالإنسانية يمكن أن يقتحما حتى أصعب الحواجز، وأن الدفاع عن الحق لا يحتاج إلى أعداد كبيرة، بل إلى قوة المبادئ ونقاء النوايا وإصرار على مواجهة الظلم المستشري بكل شجاعة.
