هاجر الريسوني
كل ما استمعت إليه من نقاشات على ديسكورد، وما شاهدته خلال وقفات الأمس، لا يدع أمامي خيارا سوى دعم حركة هؤلاء الشباب، فربما ينجحون فيما فشلنا نحن في تحقيقه.
استمعت إليهم بعد الوقفات، وشعرت أن خروجهم اليوم سيكون أكثر تنظيما ومسؤولية. لذلك، على الدولة أن تفسح لهم المجال للتعبير عن مطالبهم، التي هي في الحقيقة مطالبنا جميعا.
على الدولة أن تدرك أن المنع والقمع لا ينتجان سوى مزيد من الإصرار على الاحتجاج، وأن اتهامات التخوين لم تعد تقنع أحدا.
من يتابع منشورات هؤلاء الشباب يلاحظ أنهم منذ البداية يحاولون طمأنة السلطة بأنهم ليسوا هنا من أجل التخريب، بل يؤكدون أنهم وطنيون وملكيون، وأن هدفهم هو الإصلاح ومحاربة الفساد. فماذا تريد السلطة أكثر من ذلك لتسمح لهم بالتعبير؟ حتى أن أول ما يبدؤون به تصريحاتهم هو “عاش الملك”، اعتقادا منهم أن ذلك قد يحميهم من القمع والاعتقال.
إذا لم تلتقط الدولة الرسالة مما حدث بالأمس، فإنها ستعمق الحواجز النفسية بينها وبين هؤلاء الشباب، وتدفعهم إلى فقدان الثقة كليا مثلما فقدناها نحن جيل التسعينات.
احتجاجات أمس أظهرت أن هناك جيلا جديدا بدأ يفرض حضوره في الشارع وفي النقاش العمومي. جيل ولد في زمن مختلف، ولم يعد يخاف من التعبير عن غضبه ولا من المطالبة بحقه في الكرامة والعدالة. هذا الجيل لا يملك إرثنا من الهزائم ولا حساباتنا القديمة، لذلك يتحرك بخفة وجرأة أكبر.
الدولة إذا كانت فعلا تفكر في المستقبل فعليها أن ترى في هؤلاء الشباب فرصة، لا تهديدا. لأنهم يعبرون عن هموم الناس الحقيقية: غلاء المعيشة، البطالة، غياب العدالة الاجتماعية. كل هذه قضايا لم تعد تحتمل التعطيل أو التبرير، بل تحتاج إلى حلول ملموسة وسريعة.
أما إذا استمرت الدولة في الهروب إلى المقاربة الأمنية، فإنها تخسر رصيدا كبيرا من الثقة، ليس فقط عند هؤلاء الشباب، بل عند جيل كامل يشاهد ويقارن ويرى أن لا شيء يتغير. وحينها، لن تعود الشعارات الوطنية ولا عبارات الطمأنة قادرة على إخفاء الشرخ الذي يتسع بين المجتمع والسلطة..
