عماد العتابي
الحدود الشمالية للمغرب، وبالتحديد الحدود البحرية بين الفنيدق وسبتة المحتلة، لم تعد مجرد خط فاصل جغرافي، بل أصبحت مسرحا يوميا لممارسات عنف ممنهج ضد الأطفال والشباب والمهاجرين غير النظاميين. ما كان يُفترض أن يكون دورا في حماية المواطنين والمهاجرين تحول إلى أداة للترهيب والتعنيف، تحت شعار التعاون الأمني مع أوروبا.
يوم أمس، الثلاثاء 12 غشت 2025، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو صادم يوثق تعنيف طفل مهاجر “غير نظامي” أمام عدسات الكاميرات، بالقرب من معبر باب سبتة. الفيديو يظهر اعتراض طريقه في البحر ثم على اليابسة، قبل أن يتعرض للضرب من طرف أفراد دورية تابعة للبحرية الملكية مكلفة بمراقبة الحدود. والتي اعترفت اليوم في بيان صدر عنها أن الدورية تابعة لها وأنها ستفتح تحقيق في هذه الحادثة.
والأمر الأكثر فظاعة هو تصريح الضحية نفسه، الذي روى بصوت مرتجف: “لقد وجهوا مروحة المحرك نحو رأسي بشكل مقصود لكي أتأذى، كانت محاولة قتل واضحة، ولم أكن أملك أي وسيلة للهروب”. هذا الاعتداء الصريح يسلط الضوء على المخاطر الجسيمة التي يواجهها المهاجرون على الحدود، ويطرح تساؤلات خطيرة حول الأساليب المتبعة في حماية الحدود.
ليس هذا الحادث الأول. فشهادات سابقة، وتقارير حقوقية محلية ودولية، وثقت حالات ضرب وطرد قسري في البحر، واستهداف أطفال وشباب مغاربة، ما يؤكد أن العنف أصبح منهجا متكررا. الحدود البحرية بين الفنيدق وسبتة تحولت إلى نقطة سوداء على خارطة حقوق الإنسان، حيث يُمارس العنف تحت ذريعة منع الهجرة غير النظامية.
المغرب، كطرف رئيسي في اتفاقيات التعاون الأمني مع الاتحاد الأوروبي، يتلقى موارد مالية وتقنية لمراقبة الحدود. لكن هذه الاتفاقيات، بحسب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية أخرى، غالبا ما تُستغل لتمرير سياسات قمعية ضد المهاجرين، وضد مواطنين مغاربة، بدلا من حماية الحقوق والحياة.
منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية أدانت هذه الممارسات، مطالبة بفتح تحقيقات مستقلة وشفافة، خاصة بعد تصاعد حوادث تهديد حياة الضحايا كما وقع يوم أمس. حماية الحدود لا يجب أن تتحول إلى سلاح لفرض الخوف والعنف، بل يجب أن تُمارس وفقا للمعايير الدولية، مع ضمان حقوق الأطفال والشباب والمهاجرين.
الأسئلة الكبيرة تظل قائمة، ما الهدف من جعل المغرب “دركيّا لأوروبا” على حساب حقوقه الداخلية؟ وكيف يمكن التوفيق بين الأمن وحماية حقوق الإنسان؟ حتى الآن، الحدود الشمالية المغربية، بدل أن تكون جدار حماية، أصبحت جدارا من الرعب، حيث يدفع الأبرياء الثمن.
إن استمرار هذه الممارسات يُظهر أن دور المغرب كـ “دركي أوروبا” لا يجب أن يكون على حساب حقوق أبنائه أو حقوق المهاجرين. حماية الحدود لا يجب أن تكون ذريعة لانتهاك الحقوق، بل يجب أن تُمارس وفقًا للمعايير الدولية، مع ضمان الحماية للأطفال والشباب والمهاجرين على حد سواء
