عماد العتابي
جيل Z في المغرب يمثل اليوم إحدى أكثر الفئات الاجتماعية حيوية وحضوراً في الساحة. شباب وُلد في زمن التحولات الرقمية وتفتّح على عالم مفتوح وسريع الإيقاع، وهو جيل يحمل في داخله غضباً مشروعاً من واقع البطالة والتهميش وغلاء المعيشة وغياب الأفق.
قدرته على التعبير واضحة، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو في الميدان، وأسلوبه في الاحتجاج يتسم بالجرأة والإبداع، الأمر الذي يجعله في لحظات معينة يبدو وكأنه الشرارة القادرة على إشعال موجة جديدة من التغيير. لكن هذه الحيوية حين تبقى مشتتة في مبادرات صغيرة وغير مؤطرة، تتحول سريعا إلى نقطة ضعف تفتح الباب أمام الاحتواء والتلاعب.
التجربة المغربية والعربية عموما تؤكد أن الحركات الشبابية غير المنظمة يسهل على النظام التعامل معها، فهي بالنسبة له مجرد تنفيس اجتماعي لا يهدد جوهر السلطة والثروة. يمكن تركها تعبر لبعض الوقت، ثم احتواؤها في مشاريع إصلاحية سطحية أو مواجهتها بالقمع عندما تتجاوز الخطوط الحمراء، وكل ذلك دون أن يترتب على الدولة كلفة سياسية كبيرة.
في المقابل هناك قوى أخرى أكثر دهاءً تعرف جيداً كيف تستثمر في غضب الشباب، فاليمين الليبرالي يوظف طاقاتهم ليعيد إنتاج نفس المنظومة الاقتصادية القائمة على الاستغلال والديون، وجماعات الإسلام السياسي تعرض نفسها كبديل وهمي بينما مشروعها لا يتجاوز أشكالاً أخرى من الاستبداد، أما القوى الإمبريالية وصناديقها الدولية فهي تبارك دائما أي حراك يمكن توجيهه نحو ما يسمى بالثورات الملونة التي تعيد ترتيب التوازنات دون أن تمس بمصالحها.
بهذا المعنى يصبح جيل Z عرضة للتحول إلى ضحية، ضحية للاحتواء حين يتم تبديد طاقته في قنوات شكلية، ضحية للتلاعب حين يُستغل اسمه وعنفوانه من طرف قوى رجعية أو يمينية، وضحية للإحباط حين يكتشف أن كل الجهد المبذول لم يغير شيئا في الواقع. إلا أن هذه النتيجة ليست قدراً محتوما، لأن التاريخ يعلمنا أن التغيير الجذري لا يصنعه الغضب وحده ولا المبادرات المبعثرة، بل يصنعه التنظيم الواضح القائم على رؤية وبرنامج وقيادة تعبر فعلاً عن مصالح الطبقة العاملة وعموم الكادحين.
فالمبادرات الشبابية تظل مهمة كبدايات وشرارات، لكنها لا تكتسب معناها التاريخي إلا عندما تنصهر في تنظيمات جماهيرية ديمقراطية قادرة على الصمود، وتضع برنامجا اجتماعيا واقتصاديا يواجه بنية النظام لا قشوره.
جيل Z في المغرب أمام مفترق طرق، فإما أن يظل قوة احتجاجية عابرة تُستهلك وتُستغل وتُحتوى، وإما أن يرتقي إلى مستوى الفاعل التاريخي عبر بناء الوعي الطبقي والانخراط في ديناميات جماهيرية مؤطرة. حينها فقط يمكن أن يتحول من ضحية محتملة إلى قوة حقيقية تساهم في صياغة مستقبل مختلف، مستقبل يقوم على الحرية والعدالة الاجتماعية وينهي عقوداً طويلة من الاستبداد والتبعية.
