عماد العتابي
يُحتفى اليوم بـ”جيل زاد” المغربي كجيل واع، ساخر، رقمي، قادر على إشعال النقاشات حول التعليم، الصحة، والفساد. لكن الحقيقة الصادمة هي أن هذا الجيل، رغم كل الضجيج الرقمي، لا يشكل حركة احتجاجية حقيقية ولا ثورة قابلة للتحقق.
الدرس الأول من تجارب الحركات الاجتماعية في المغرب والعالم واضح وصريح، لا وجود لأي حركة احتجاجية أو ثورية بلا نظرية واضحة وتنظيم قادر على تنفيذها.
جيل زاد ينكر الأيديولوجيا، ويصف نفسه بأنه خارج يمين ويسار السياسة. لكن إنكار الأيديولوجيا ليس خروجا من الإطار الفكري، بل موقف أيديولوجي غير محدد. في الغالب، هذا الموقف ينتهي بتبني القيم السائدة أو أيديولوجيا الدولة دون وعي، ليصبح الحراك مجرد إعادة إنتاج للوضع القائم تحت غطاء السخرية والانتقاد الرقمي.
أما التنظيم، فهو الركيزة الثانية لأي حركة ناجحة. لكن هنا نرى العكس، حيث يتم رفض الهيكلة تماما، فالشباب يرفض القيادة، ويمجد العفوية المطلقة.
هذه العفوية عند جيل زاد ليست حرية، بل أعتبرها هروبا من المسؤولية. لأن الفراغ التنظيمي يجعل الحراك هشًا، ويترك المجال لجهات أخرى لتأطيره، سواء الدولة أو خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي.
ثم هناك المطالب. مطالب عامة، فضفاضة، بلا خطة تنفيذية، ولا رؤية واضحة لكيفية تحقيقها. قس على ذلك أن “الشباب” يركز على شخص رئيس الحكومة، لكنه يتجاهل بنية الدولة والسياسات الكبرى، وكأنها تصفية حسابات جزئية أكثر منها احتجاجا جماعيا مسؤولا.
حتى الملفات الإنسانية الحساسة، مثل المعتقلين السياسيين أو الشهـ.داء الثلاثة الذين سقطوا في القليعة، تُترك بلا اهتمام حقيقي، وكأن الدم والحقوق مجرد أشياء هامشية لا تستحق الالتفات إليها…
باختصار، حراك جيل زاد هو ضجيج رقمي جميل، بلا تنظيم، بلا نظرية، وبلا خارطة طريق عملية. وأنا أقول أن الغضب وحده لا يكفي؛ والتجربة التاريخية لكل الحركات الاجتماعية تعلمنا أن القوة الحقيقية تأتي من تنظيم قادر على التنفيذ، ونظرية تحدد الأهداف، وخطة تحول الأفكار إلى واقع ملموس.
يمكننا القول بصراحة أن ما نراه ليس حركة، بل صورة رقمية للغضب، بدون جسد على الأرض حتى وإن تم تنظيم آلاف المسيرات، بلا مسؤولية، وبلا خطة للتغيير. وإذا استمر الحال هكذا، فإن الضجيج كله سيبقى مجرد صدى سريع يختفي مع أي موجة إعلامية جديدة، بينما الواقع يبقى كما هو.
