تقرير استقصائي/
في السهول العشبية الممتدة شمال شرق تنزانيا، حيث امتدّت حياة شعب الماساي لقرون، يواجه آلاف السكان تهجيرًا قسريًا من أراضيهم التقليدية في واحدة من أكثر القضايا البيئية والاجتماعية إثارة للجدل في إفريقيا. وسط شعارات عن حماية البيئة والاستدامة، تكشف تقارير دولية عن عمليات تدمير منازل، إحراق مواشٍ، واستخدام القوة المفرطة، في واحدة من أكبر النزاعات على الأرض بين السكان الأصليين ومصالح استثمارية خارجية.
في قلب هذه الأزمة تقف شركة Otterlo Business Corporation (OBC)، المملوكة لمستثمرين إماراتيين، والتي حصلت على امتيازات واسعة منذ التسعينات لتنظيم رحلات صيد تجارية واستثمارات سياحية في منطقة لوليوندو (Loliondo)، المجاورة لمحمية سيرينغيتي، أحد أبرز المواقع الطبيعية في إفريقيا.
تبلغ مساحة منطقة لوليوندو آلاف الكيلومترات المربعة، وتعتبر من أهم مواطن الحياة البرية في شرق إفريقيا، بما في ذلك الأسود والفهود وظباء الإيلاند والغزلان المهددة بالانقراض. لكن المنطقة أيضًا موطن للسكان الأصليين الذين يعتمدون على الرعي والتقاليد المحلية في معيشتهم.
منذ التسعينات، منحت الحكومة التنزانية امتيازات لشركة OBC، بحجة “تنمية السياحة وحماية النظم البيئية”. لكن تقارير Amnesty International (2024) وMongabay تقول إن هذه المشاريع ترافقها عمليات تهجير قسري تشمل:
استخدام الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع لتفريق السكان المحليين.
حرق المنازل والمواشي لتسريع عمليات الإخلاء.
منع العودة إلى الأراضي بعد الإخلاء، ما يهدد المجتمعات بفقدان مواردها التقليدية.
الناشط الماساي ناسا لوليان وصف ما يجري بأنه “تطهير بيئي” قسري، قائلاً:
“نحن لا نرفض حماية الطبيعة، لكن لا يمكن حماية البيئة عبر إبادة المجتمعات التي حافظت عليها لقرون.”
تسعى السلطات والشركة لتسويق هذه المشاريع على أنها “جهود بيئية” لحماية التنوع الحيوي وإعادة تأهيل الأراضي. لكن التحقيقات الميدانية تظهر أن هذا الغلاف غالبًا ما يُستخدم لتبرير استثمارات فاخرة وصيد نخبة، يستفيد منها أجانب وأثرياء الخليج، بما في ذلك أفراد من العائلات الحاكمة في الإمارات.
وسائل إعلام غربية مثل Mediapart وThe Guardian وثّقت أن بعض رحلات الصيد تستهدف حيوانات مهددة بالانقراض، ما يثير تساؤلات حول التناقض بين الشعارات الرسمية للمشروع والواقع على الأرض.
ليست تنزانيا الحالة الوحيدة. في مناطق جنوب المغرب، تشير تقارير إعلامية ومحلية إلى مشاريع استثمارية إماراتية وإسرائيلية تتعاون فيها السلطات المغربية لإعادة توجيه أراضي تقليدية للقبائل المحلية نحو مشاريع سياحية فاخرة ومنتجعات للصيد ورفاهية نخبوية.
مثل هذه المشاريع غالبًا ما يتم تسويقها على أنها استثمارات بيئية أو زراعية مستدامة، لكنها في الواقع تحرم السكان الأصليين من أراضيهم ومواردهم الطبيعية، وتكرر أنماط التوسع الاستثماري الخارجي التي ظهرت في تنزانيا.
هذه الأنشطة تثير مخاوف من تغيّر التوازن الاجتماعي والاقتصادي في المجتمعات المحلية، وفرض أنماط حياة جديدة تتبع مصالح المستثمرين أكثر من احتياجات السكان.
التحقيقات تشير إلى أن المشاريع الإماراتية في تنزانيا والمغرب ليست حالات معزولة، بل جزء من نمط استثماري متكرر يشمل:
الحصول على امتيازات استثمارية حصرية عبر التعاون مع السلطات المحلية.
استخدام شعارات الاستدامة والبيئة لتسويق المشروع داخليًا ودوليًا.
تحويل الأراضي التقليدية إلى منتجعات سياحية أو رحلات صيد نخبوية.
وتهجير أو تقييد وصول السكان الأصليين إلى أراضيهم، مع ما يترتب على ذلك من آثار اجتماعية واقتصادية.
من تنزانيا إلى المغرب، يبدو أن نمط الاستثمار الإماراتي في القارة السمراء وشمال إفريقيا يعتمد على مزيج من النفوذ الاقتصادي، التواطؤ السياسي، وشعارات الاستدامة البيئية.
في الوقت الذي يُسوّق فيه الاستثمار على أنه حماية للبيئة وتنمية اقتصادية، تتكشف على الأرض قصص تهجير قسري، خسارة ثقافية، وانتهاكات للحقوق التقليدية للسكان الأصليين. يتأكد أن شعار “الاستدامة” أصبح أحيانًا أداة لتبرير توسع اقتصادي وسياسي على حساب الإنسان والبيئة
