خطوة أنقرة اليوم بقطع علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل تكشف الوجه الحقيقي للسياسة التركية الإقليمية فهي مزيج من الحفاظ على الأمن القومي وفرض النفوذ، مقابل إعادة تقييم المصالح الاقتصادية وحتى الاستراتيجية في المنطقة.
جاء القرار التركي على خلفية حادثة وقعت قبل يومين في سوريا، حين قامت إسرائيل بتفكيك أجهزة تجسس تركية قرب دمشق وتدمير الموقع بالكامل، ما اعتبرته أنقرة خرقا صارخا لأمنها القومي ومساسًا بسيادتها على أنشطتها الاستخباراتية.
لكن التحليل العميق يشير إلى أن أردوغان، على الرغم من موقفه الرسمي المتذبذب تجاه إسرائيل، كان لغاية اليوم شريكا غير معلن في ما يمكن تسميته “الجسر الاقتصادي الدموي” الذي يربط تركيا بإسرائيل. هذا الجسر يتيح لإسرائيل الحصول على المواد والموارد الحيوية التي تحتاجها لمواصلة العمليات العسكرية في غزة، بينما تحافظ تركيا على مصالحها التجارية والاقتصادية.
الآن، وبعد أن تم استهداف قدراتها الاستخباراتية بشكل مباشر، قررت أنقرة قطع هذا الجسر، مع رسالة واضحة: أمن تركيا لا يُساوم عليه، حتى ولو كان ذلك على حساب مصالحها الاقتصادية السابقة مع إسرائيل.
خبراء الشؤون الإقليمية يرون أن هذه الخطوة ليست مجرد رد على حادثة فردية، بل جزء من إعادة ترتيب أوراق النفوذ في الشرق الأوسط، حيث تعيد تركيا رسم حدود توازن القوى، وتحاول إرسال إشارة قوية لأي طرف يفكر في المساس بأمنها أو مصالحها الحيوية.
وبينما يبقى الوضع في غزة مأساويًا، يوضح هذا القرار أن السياسة الاقتصادية والأمنية غالبا ما تتفوق على الاعتبارات الإنسانية في الحسابات الاستراتيجية للدول الكبرى، وأن تركيا اليوم تختار حماية أمنها القومي على أي التزام أخلاقي تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
