عماد العتابي
ما وقع في الصويرة لم يكن مجرد انزلاق عابر. أن تُرفع الأدعية لجنود جيش الاحتلال تحت صورة الملك، هو إعلان صريح بأن المغرب لم يعد يكتفي بالتطبيع الرسمي الموقَّع على الورق، بل يمضي بخطى ثابتة نحو “الأسرلة الشاملة”، أسرلة الدين، أسرلة الرموز، وأسرلة الهوية نفسها. والهدف الاستراتيجي أسرلة “الوعي المغربي”
في قلب هذا المسار يقف أندري أزولاي. يبرز العرّاب الصامت الذي يوجّه السفينة نحو المجهول. يشتغل كما يشتغل المسدس المزود بكاتم صوت بلا ضجيج، لكنه يطلق الرصاص في العمق. منذ عقود وهو يهيّئ الأرضية، كانت بدايته من الصويرة، مدينته ومساحته الرمزية، ليحوّلها من رمز للتسامح إلى مختبر تمرَّر فيه رسائل الاحتلال تحت غطاء روحي.
لكن أزولاي لا يتحرك في فراغ لأن المؤسسة الملكية نفسها جزء من المشهد. فحين تُستعمل صورة الملك في طقس يبارك جيشًا يقتل الفلسطينيين بوحشية رهيبة، فهذا يعني أن العرش لم يعد مجرد متفرج، بل صار غطاء رسميا يضفي شرعية على مشروع استعماري طالما قاومه المغاربة. هنا تكمن خطورة المرحلة، أن يتم جرّ الملكية إلى لعب دور مباشر في أسرلة المغرب، وتحويلها من رمز “للوحدة” إلى أداة في مشروع غريب عن تاريخ الأمة ووجدانها.
لطالما سوقت الدولة للمغاربة رواية المكاسب واستثمارات منتظرة، من اعتراف بالصحراء، إلى فتح أبواب أمام العالم. لكن الواقع يكشف أن الثمن أكبر بكثير، والثمن الحقيقي هو الروح المغربية نفسها. فحين يُستعمل الدين كورقة سياسية، وتُحوَّل الرموز الوطنية إلى جسور للاحتلال، وحين يُزج بالعرش في عملية إضفاء الشرعية على مشاهد تمجّد جيشًا استعماريًا، يصبح الحديث عن المكاسب مجرد قناع يخفي الحقيقة المؤلمة.
لكن المغاربة ليسوا سُذّجًا. يعرفون أن فلسطين ليست مجرد قضية عابرة وموسمية، بل جزء من ذاكرتهم الجماعية. يعرفون أن الصويرة التي تحولت إلى منصة للتطبيع الديني ليست سوى البداية، وأن المشهد لن يتوقف عندها. فالمشروع أكبر، والهدف هو إعادة تشكيل الهوية المغربية على مقاس “إسرائيل الكبرى”، عبر اختراق الوعي، لا عبر القوانين فقط.
السؤال اليوم لم يعد حول جدوى التطبيع أو عوائده، إنما حول مستقبل المغرب نفسه؛ فهل نقبل أن نرى “الملكية”، وقد تحولت إلى غطاء لمشروع استعماري؟ هل نسمح لعرّاب صامت مثل أزولاي أن يكتب مستقبل هذا البلد بمداد صهيوني؟ وهل نقبل أن نصحو يومًا على مغرب بلا ذاكرة، بلا موقف، بلا روح؟
الصويرة كانت جرس إنذار. وأزولاي هو اليد الخفية التي تضغط على الزناد. أما العرش فقد وُضع أمام اختبار صعب، إما أن يبقى وفيًا لتاريخ المغرب وهويته وموقفه الثابت من فلسطين، أو أن يُسجَّل في ذاكرة الأجيال كمن منح الاحتلال أكبر انتصار: إدماجه في وجدان ووعي المغاربة.
الوقت لم يعد في صالحنا. الرصاصة الأولى أُطلقت، والرصاصات القادمة قد تُصيب قلب المغرب إذا استمر الصمت.

المغرب أولًا: قراءة هادئة في ضوء جدل الصويرة
ما وقع في الصويرة أثار نقاشًا واسعًا، وتحوّل بسرعة إلى عناوين كبرى عن “أسرلة المغرب” و”خيانة فلسطين”. لكن بين الانفعال والواقع مسافة كبيرة تحتاج إلى عقل بارد وميزان عادل.
1. المغرب قضيتنا الأولى
مهما كان الموقف من التطبيع، فإن أولوية المغاربة تبقى واضحة: حماية استقرار المغرب ووحدته وهويته. التحديات التي نعيشها يوميًا – من تعليم وصحة وفرص عمل وعدالة اجتماعية – أهم بكثير من أي صراع خارجي. لا يمكننا التضحية بمستقبل أبنائنا بدعوى الوصاية على قضايا العالم.
2. فلسطين قضية تعاطف لا وصاية
من الطبيعي أن نتألم لما يحدث في غزة وأن نشعر بالتضامن مع الشعب الفلسطيني. هذا جزء من وجداننا الإنساني والديني. لكن لا يجب أن نُحمِّل المغرب أكثر مما يحتمل، أو أن نجعل من فلسطين بوصلة惟惟惟惟惟惟惟惟惟惟惟惟惟惟 تعطل أولوياتنا الوطنية.
3. الدعاء وإشكالية الانتقائية
من المثير أن البعض يستنكر دعاءً في طقس ديني يهودي لصالح جيش الاحتلال، بينما يتجاهل أن المسلمين أنفسهم يقرؤون يوميًا في الفاتحة: “غير المغضوب عليهم ولا الضالين”. إن أردنا أن نكون منصفين، علينا الاعتراف أن كل دين يحمل أدعيته الخاصة التي قد يُفهم منها إقصاء للآخر. الاعتراض الانتقائي يكشف ازدواجية المعايير.
4. أين يكمن الخطر الحقيقي؟
الخطر ليس في طقس معزول هنا أو هناك، بل في أن تتحول هذه الطقوس إلى أداة سياسية تُستغل لإعادة تشكيل وعي المغاربة. إذا استُعملت الرموز الوطنية أو صورة الملك في مشاهد تمنح شرعية لسياسات مثيرة للجدل دون نقاش وطني، فهنا يحق للمغاربة أن يسائلوا ويطالبوا بالشفافية.
5. ما العمل؟
الوعي: عدم الانجرار وراء العناوين الانفعالية التي تُضخّم الأحداث وتزرع الخوف.
المسؤولية: التركيز على قضايانا الجوهرية: المدرسة، المستشفى، العدالة الاجتماعية، والكرامة.
الاتساق: إذا أردنا نقد طقوس دينية معينة، فلنطبّق نفس المعيار على الجميع دون استثناء.