في تطور جديد على صعيد المواقف الأوروبية تجاه الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، وجّهت إدارات 73 كنيسة بروتستانتية في هولندا نداءً علنياً إلى الحكومة الهولندية للاعتراف بدولة فلسطين ووقف تصدير الأسلحة إلى “إسرائيل”. وقد اعتُبرت هذه الخطوة من قبل الصحافة المحلية “مبادرة إنسانية” تعكس تزايد الضغوط الأخلاقية والشعبية على صانعي القرار في لاهاي.
وبحسب ما أوردته صحيفة تراو الهولندية، فإن العريضة التي وقّعها قادة الكنائس شددت على ضرورة فرض وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة. وإرسال مساعدات إنسانية عاجلة للسكان المحاصرين وضع حد لدوامة العنف في الضفة الغربية. والسعي إلى الإفراج المتبادل عن الأسرى بين الجانبين.
وقالت صاحبة المبادرة، الناشطة الكنسية كارولين جيسبرز، إنها تابعت بقلق التطورات في غزة منذ سنوات، غير أن ما اعتبرته “سياسة تجويع يمارسها الاحتلال ضد سكان القطاع” شكّل منعطفاً حاسماً جعلها تبادر إلى إطلاق هذه الحملة. وأضافت: “اعتراف هولندا بفلسطين ليس قراراً سياسياً بل استحقاق إنساني، فالدولة المستقلة هي شرط لا غنى عنه لحياة آمنة للشعب الفلسطيني”.
خلفية تاريخية
تاريخياً، ترتبط هولندا بموقف متباين إزاء القضية الفلسطينية. فعلى الرغم من تبنّيها تقليدياً خطاً داعماً لـ”إسرائيل” داخل الاتحاد الأوروبي، فإن المجتمع المدني الهولندي –بما فيه الكنائس، الجامعات، والنقابات– لعب دوراً بارزاً في الضغط من أجل مواقف أكثر توازناً. ومنذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، تزايدت الأصوات المطالِبة بوقف الدعم العسكري لـ”إسرائيل” والاعتراف الفعلي بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة.
البعد الأوروبي
هذه المبادرة لا تُقرأ بمعزل عن المشهد الأوسع في أوروبا، حيث اعترفت بالفعل عدة دول مثل إسبانيا، إيرلندا، والسويد بدولة فلسطين، فيما تتصاعد في برلمانات أوروبية أخرى نقاشات مماثلة. وتبرز الكنائس كفاعل أخلاقي له تأثير متنامٍ في تشكيل الرأي العام، خاصة أنها تقدم خطاباً يتجاوز الحسابات السياسية الضيقة نحو أبعاد إنسانية وأخلاقية.
دلالات الخطوة
يرى مراقبون أن توقيع 73 كنيسة دفعة واحدة يعكس حالة تبلور موقف جماعي مسيحي–إنساني في هولندا، من شأنه أن يحرج الحكومة المؤقتة في لاهاي ويدفعها لإعادة النظر في سياستها تجاه الشرق الأوسط. كما أن هذه المبادرة قد تسهم في تغذية حراك مدني أوسع في أوروبا يربط بين استمرار النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي وبين مسؤولية الحكومات الغربية في تسليح “إسرائيل”.
بهذه الخطوة، لا تكتفي الكنائس الهولندية بالتعبير عن تعاطف إنساني مع الفلسطينيين، بل تنتقل إلى ممارسة ضغط سياسي وأخلاقي مباشر على حكومتها، بما يجعل قضية الاعتراف بدولة فلسطين مطروحة بقوة على أجندة النقاش العام في هولندا، وربما في دول أوروبية أخرى خلال المرحلة المقبلة
