عماد العتابي
تطرح أزمة الصحة في المغرب سؤالا أكبر من طبيعة الخدمات الطبية ذاتها. فالأمر لم يعد يتعلق بمستشفى ينقصه التجهيز أو بمراكز صحية مهجورة ومتهالكة وخالية من الخدمات الحقيقية، بل يتعلق بمسار سياسي كامل انتهى إلى مأزق بنيوي. إنّ مشهد لجوء رأس الدولة نفسه إلى مستشفيات باريس كلما احتاج إلى علاج، يكثّف المفارقة، وإذا كانت السلطة العليا لا تثق في منظومتها الصحية، فكيف يمكن للمواطن البسيط أن يطمئن إلى سرير في قسم عمومي؟
منذ الاستقلال، لم تعرف البلاد تغييرا فعليا في مركز القرار. الملكية ظلت الفاعل الحاسم في كل الملفات الكبرى، بينما ظلّت الحكومات المتعاقبة أقرب إلى واجهة إدارية تُحمَّل المسؤولية في الخطاب، وتُجرّد من السلطة في الممارسة والواقع. وهكذا، فإن ضعف المنظومة الصحية ليس خطأ وزير هنا أو تقصيرا من إدارة هناك، بل نتيجة طبيعية لبنية سياسية تحتكر القرار وتفرغه من أي مساءلة حقيقية.
إنّ بناء مستشفى ليس مجرّد مسألة تقنية أو مالية، بل يعكس أولوية سياسية. وحين نكتشف أن المغرب، بعد أكثر من ستين عاما من الاستقلال، لا يمتلك مستشفى وطنيا بمعايير تليق بالقرن الحادي والعشرين، فإننا لا نواجه نقصا في الموارد فقط، بل نقصا في الإرادة السياسية. إرادة انشغلت بالمشاريع الرمزية والملاعب والمهرجانات والواجهات الكبرى أكثر مما انشغلت ببنية اجتماعية تحفظ كرامة المواطن.
جيل الشباب المغربي، جيل “زاد”، يدرك هذه الحقيقة. لم تعد شعارات “الإصلاح التدريجي” أو “الحكومات المنتخبة” مقنعة له. فهو يرى بوضوح أن جوهر المشكلة يكمن في تمركز السلطة في يد المؤسسة الملكية، وأن أي إصلاح صحي أو تعليمي يظل محدود الأفق ما دام القرار المركزي خارج المحاسبة. ومن هنا نفهم احتجاجاته، وهذه الاحتجاجات ليست مجرد رد فعل على أزمة قطاعية، بل أعمق من ذلك، إنها مساءلة سياسية فعلية لبنية الحكم نفسها.
الصحة إذن ليست ملفا قطاعيا منفصلا، إنها مرآة تكشف عجز النظام السياسي عن تحقيق التنمية التي وعد بها منذ عقود. وإذا كان المواطن المغربي يقف اليوم في طوابير المستشفيات المهترئة، بينما الملك وأسرته يتنقلون إلى باريس للعلاج، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو، هل يمكن الحديث عن دولة حديثة دون مستشفى وطني حقيقي؟
إنّ الاحتجاجات الجارية ليست سوى بداية مرحلة جديدة، حيث تتحول المطالب الاجتماعية إلى أسئلة سياسية، وحيث يصبح الفشل في بناء مستشفى رمزا للفشل في بناء الدولة نفسها.
