حاورها : عماد العتابي
الجزء الأول
– دكتورة وداد، هل يمكن أن تعرّفي القراء بنفسك وبمسارك المهني في قطاع الصحة ؟
وداد أزداد ، أربعون سنة، مزدادة بمدينة فاس، وحاصلة على الدكتوراة في الطب بنفس المدينة أواخر 2012، وعلى ديبلوم التخصص في الراديولوجي أو التصوير الطبي بالرباط سنة 2016.. كما تم تعييني كطبيبة اختصاصية في الأشعة بمدينة الحسيمة سنة 2017، والتي غادرتها أواخر 2023..
من جهة أخرى فأنا مدونة على الفايسبوك وصاحبة صفحة “مضمار” الطبية.
– ما الذي دفعكِ إلى دراسة الطب واختيار العمل في مستشفى الحسيمة تحديدًا ؟
في الحقيقة كان الطب حلم والدي اللذين حزنا لعدم تمكنهما من ولوج هذا الميدان سابقا، قبل أن أتبنى بدوري هذه الأمنية لاحقا..
فعندما كنت طفلة لم أكن أفكر في هذا المجال، وإنما كنت أتوق لأصبح كاتبة وأحصل على جوائز عالمية..
ولكن هذا لا يمنع أن الطب يلائم طبيعتي وتصوراتي حول ضرورة ممارسة مهنة نبيلة تمكن من مد يد العون للناس ومواساتهم والطبطبة على آلامهم وجراحهم دون توقع المقابل..
مع الاحتفاظ بالواقعية وعدم التظاهر بالمثالية المبالغ فيها أو الزائفة.. فأنا مثلا لست ملاكا مجنحا ولا شخصا استثنائيا، ولكنني طبيبة عادية تحاول أن تمارس عملها بما يرضي الخالق، من دون ضرر أو ضرار، أو مس بكرامة المريض أو كرامتي أنا شخصيا كدكتورة..
– فيما يخص اختيار مقر التعيين فهو لا يعود لنا وإنما يتم بناء على قرعة علنية.. بحيث يجتمع الأطباء الأخصائيون المتخرجون وتوزع عليهم التعيينات المتوفرة والمقررة من وزارة الصحة حسب الرقم الذي تم سحبه من طرفهم.
أما عن نفسي، فكنت أرجو أن تكون الحسيمة أو سيدي إفني من نصيبي واللتان كانتا ضمن الاختيارات المتاحة، ولكنني دعوت الله قبل السحب قائلة : (رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق)، فإذا بي أسحب الرقم واحد وأتمكن من اختيار المدينة التي أفضلها قبل الجميع.
وبخلاف المتوقع فأنا لم أندم أبدا على هذا الاختيار وهذا التعيين.. بل على العكس تماما.
– كيف كانت تجربتك الأولى داخل المستشفى قبل ظهور الخلافات والمشاكل التي ذكرتِها في منشوراتك؟
عندما وصلت للحسيمة كنت مسرورة أنا وأسرتي بهذا التعيين في مدينة تعد الأكثر أمانا في المغرب، وفي إقليم يتوفر على العديد من الشواطئ الجميلة والمناظر الخلابة..
هذه السعادة انعكست على عملي، بحيث كانت لدي فورة من الحماس والرغبة في تحطيم أرقام قياسية في أعداد الفحوصات المنجزة..
كما تعرفت على دماثة أخلاق الحسيميين وشهامتهم، وشعرت بأنني بين أهلي وعشيرتي، خاصة وأن أمي ذات أصول ريفية..
ولكن هذا لا يعني أنني لم أصادف بعض المشاكل منذ الشهور الأولى، كالحاجة لبعض المعدات الطبية، أو ارتفاع الطلب مقابل خصاص الأطباء وقصور العرض الطبي..
ولكن خصوصا بعض المشاكل المفتعلة من طرف بعض الأفراد في المشفى لمجرد رفضي لبعض مظاهر المحسوبية والمحاباة في منح مواعيد الفحوص الطبية غير المستعجلة..
وهي العقبات التي يواجها أغلب أطباء القطاع العمومي في المغرب، بحيث لا أعد استثناء.
– تحدثتِ عن مسؤول صحي وصفتِه بأنه “رمز للسلطوية وتجاوز الصلاحيات الإدارية والشطط في استعمال السلطة” و”من الأسباب الرئيسية في هجرة الأطباء” وعدد من الاختلالات هناك. هل يمكنكِ أن توضحي للقارئ طبيعة هذه الممارسات أو التصرفات التي دفعتكِ إلى هذا الوصف ؟
صحيح أخي، فقد فوضني عدد من الزملاء الضحايا الذين غادروا المستشفى العمومي بالحسيمة لكي أتكلم نيابة عنهم، بفضل الانفراجة النسبية في حرية التعبير، على إثر الاحتجاجات الأخيرة والنقاش المجتمعي المتصاعد حول ضرورة تغيير وإصلاح قطاع الصحة.
فهذا المسؤول الذي يشاع أنه تم تعيينه في الإقليم كعقوبة له بعد اختلالات وخروقات سابقة في وجدة، حسب شهادات بعض الأطباء والموظفين هناك، تسلط على الإقليم بالموازاة مع وباء كورونا، فكان بمثابة بلاء أصاب الإقليم وعمق من حجم الخصاص في الأطباء، وبالتالي من معاناة الساكنة.
حيث يعتبر مايعرف ب”البيسطون” أي التوسط لحالات غير مستعجلة لديها علاقة بشخصيات نافذة ممن يمكنهم قضاء بعض المصالح له، شغله الشاغل في المستشفى. وهذا مايتبين من خرجته الإعلامية الأخيرة المتهورة التي نصب فيها نفسه ك”بيسطون” للمرضى في إطار البروبغندا وتزكية نفسه، بحكم أنه لا يتقن سوى هذا الأسلوب وهذه اللغة السوقية.
فهو كان يتوعد ويهدد كل طبيب وكل ممرض لا يمتثل لأوامره بالحرف، علما أنني كنت من بين هؤلاء كوني لا أفرق بين المرضى حسب لغة المصالح والمنفعة، ولكن بناء على درجة استعجال الحالة والحاجة للفحص، دون التفرقة بين فقير أو غني.. مع منح بعض التمييز الإيجابي أحيانا للأكثر فاقة أو بعدا.
فنحن كموظفين نشتغل لدى وزارة الصحة وفق قواعد وقوانين مؤطرة، ولسنا عبيدا في ضيعة مسؤول ما لنقضي مصالحه الضيقة على حساب المرضى المستحقين.
من جهة أخرى، كان هذا المسؤول (وشريكه) يقابل مجرد طلب بعض المعدات والأجهزة الضرورية بسلسلة من الوعيد والانتقام، وهو لا يمكنه بتاتا نفي ذلك لأن لدينا عددا من الشهادات والحجج على هذه الأمور.
فأنا مثلا تم حرماني جزئيا من تعويضات الكوفيد الرمزية والهزيلة جدا في محاولة لإخافتي لمجرد أنني طالبت بجهاز ضروري لتشخيص بعض أنواع الجلطات المميتة لدى المرضى، بل أصبح يعتبرني عدوه اللذوذ في المستشفى..
بحيث أصبح التحذير من شخصي بهتانا وظلما يعد من مراسيم استقبال الأطباء الجدد في المستشفى، مع الكثير من القذف في سمعتي وشرفي وعملي، خوفا من تفعيلي للنقابة المحلية النائمة أو تشكيلي تكتلا طبيا للاحتجاج ضد ممارساته القمعية أو المطالبة بتغييره.
مسلسل الانتقام وتحريض الساكنة ضدي أفضى في نهاية المطاف لمغادرتي القطاع العام نهائيا بعد انهيار عصبي على إثر إهانة مباشرة من طرفه، كانت القطرة التي أفاضت الكأس.
ومن ثم شرع في استخدام نفس الأساليب مع زميلتي الدكتورة ليلى، طبيبة الأشعة الوحيدة المتبقية حيت تم تحميلها ما لاطاقة لها به، وتم تهديدها بمصير أطباء آخرين في مدن أخرى كانوا قد أقدموا على محاولات انتحار بسبب أساليبه وممارساته.
وبالتالي اضطرت لمغادرة المستشفى شهورا بعد رحيلي، رغم أنها لم تكن تفكر في ترك القطاع العام من قبل أي مثلي تماما. بحيث أجبرنا إجبارا على الرحيل، ونحن لن نسامحه على ذلك، لأننا كنا متعلقين بمرضانا وبالمستشفى العمومي.
ومن ضمن الأمور التي كان يكررها على مسامعنا مرارا كلما اشتكينا من الضغوط التي نرزح تحت ثقلها أو من الخصاص والاحتراق الوظيفي، هي أن رحيلنا يصب في صالحه لأن وجودنا يطرح مشاكل بسبب شكوى المرضى للإدارة أحيانا بسبب طول المواعيد نظرا لوجود طبيبتي أشعة فقط مثلا، بينما فراغ المستشفى من الأطباء تماما من شأنه أن يحد كليا من مجيء المرضى حسب تعبيره.
نفس الأمر يسري على تخصصات أخرى كانت قد أفرغت تماما من الدكاترة، بسبب نفس الأساليب والممارسات والمنطق.
والتفاصيل تعد طويلة وذات شجون، وسأحكيها بالتفصيل الممل في صفحتي الخاصة متى سنحت الفرصة.
