شهدت بعض المدن المغربية، بعد الاحتجاجات الشبابية الأخيرة، موجة من الشغب والفوضى المنظمة التي لا يمكن اعتبارها مجرد انفلات عفوي. هذه الظاهرة تستدعي قراءة متأنية، لأنها تكشف الكثير عن الديناميات الخفية التي تحرك المشهد الاجتماعي والسياسي في البلاد.
جيل “زاد”، الذي شكّل النواة الأساسية للاحتجاجات الشبابية، يمثل فئة واعية ومتيقظة من المجتمع المغربي، تعبّر عن سخطها على التفاوت الاجتماعي، البطالة، وصعوبة الولوج إلى الحقوق الاقتصادية والسياسية. ومع ذلك، لم تقتصر ردود الفعل الشعبية على التعبير السلمي، بل ظهرت مظاهر عنف منظم في بعض المدن، ترافقها أعمال حرق لممتلكات عامة وخاصة، وإخلال بالنظام العام.
تحليل هذه الظواهر يقود إلى فرضية أن الشغب لم يكن دائمًا نتيجة مباشرة لغضب الشارع، بل قد يكون موجها أو مستغلا من قبل أجهزة الدولة السرية. الهدف من هذه التوجيهات المضمرة واضح جدا، وهو خلق حالة من الرعب والترهيب، بحيث تُحوّل الاحتجاجات السلمية إلى فوضى، وتدفع الأغلبية الصامتة من المواطنين للانحياز إلى الطرف المضاد للحراك. بهذا الأسلوب، تُستغل الفوضى كأداة مزدوجة التأثير، تخويف المحتجين المباشرين وخلق موقف سلبي لدى الرأي العام تجاه أي حركة احتجاجية، حتى لو كانت سلمية في جوهرها.
الرسالة الضمنية التي تحملها هذه التحركات واضحة لكل من يقرأ المشهد بعين تحليلية، فالاحتجاجات ليست مجرد تعبير عن مطالب اجتماعية، بل حقل اختبار للقوة والسيطرة. وأي محاولة للاستمرار في الضغط الشعبي تواجه اختبارا مزدوجا، العنف المباشر من عناصر الشغب المنظمة، والتغير النفسي في الرأي العام الذي يتحول تدريجيًا ضد المحتجين.
من المهم أيضا الإشارة إلى أن هذا الأسلوب ليس وليد اليوم، بل جزء من آليات قديمة وحديثة للدولة لضبط الاحتجاج الشعبي دون إعلان صريح. استخدام العنف المنظم كأداة سياسية يتيح التحكم في الحراك من دون تحمل عبء القمع العلني، ويعزز القدرة على توجيه الرأي العام بطريقة غير مباشرة.
فهم هذه الديناميكية ضروري لأي مراقب أو باحث اجتماعي، لأنه يميز بين الاحتجاج المشروع الذي يعكس مطالب المجتمع الحقيقية، وبين الفوضى المنظمة التي تخدم أجندات خفية وتستهدف السيطرة على الحراك الاجتماعي. كما أنه يضع المسؤولية على عاتق المجتمع المدني والإعلام لتبني قراءة نقدية للأحداث، والتمييز بين السلمية والتخريب الموجه، حتى لا يتحول الغضب المشروع إلى أداة لتقسيم المجتمع.
في النهاية، تحليل احتجاجات جيل “زاد” والشغب المصاحب لها يكشف طبقات متعددة من الرسائل الضمنية، ويبرز مدى تعقيد العلاقة بين السلطة والمجتمع المدني في المغرب. هذه الفوضى المنظمة جزء من استراتيجية أوسع لإعادة ضبط الحراك الشعبي، عبر استخدام الرعب والضغط النفسي، دون الحاجة إلى التصريحات الرسمية المتكررة.
