أثار تقرير حديث لمفوضة الأطفال في هولندا نقاشا واسعا، بعدما أكد أن الأطفال الذين يعيشون في فقر داخل البلاد ينظرون إلى مستقبلهم بنظرة قاتمة، رغم أن هولندا تُعد من أغنى دول أوروبا وتتمتع بمستوى معيشي مرتفع. المفارقة هنا أن الفقر، حتى في بلد تتوفر فيه أنظمة حماية اجتماعية قوية وفرص تعليم متقدمة، يظل قادرا على التأثير في وجدان الأطفال وثقتهم في المستقبل.
لكن من المهم التوضيح أن الفقر في هولندا ليس هو الفقر في المغرب. في الحالة الهولندية، غالبا ما يتعلق الأمر بحرمان نسبي، ويمكن تلخيصه في أطفال لا يستطيعون المشاركة في بعض الأنشطة المدرسية، أو يفتقدون لرحلات ترفيهية، أو يعيشون ضغوطا نفسية بسبب مقارنة أنفسهم بزملاء أكثر حظاً. بينما في المغرب، يأخذ الفقر أبعادا أعمق وأكثر قسوة، حيث يُترجم أحياناً إلى غياب ضروريات الحياة مثل الغذاء الصحي، الملبس اللائق، السكن اللائق، أو حتى الحق في التعليم الجيد.
في هولندا، يشكل الفقر حالة أقلية داخل مجتمع متوازن نسبياً، أما في المغرب فهو ظاهرة بنيوية تمس أعدادا كبيرة من الأسر، وتؤدي إلى مشاكل مترابطة مثل الهدر المدرسي، عمالة الأطفال، والحرمان من الرعاية الصحية.
ورغم هذا التباين الكبير، فإن القاسم المشترك يظل هو تأثير الفقر على نفسية الأطفال ونظرتهم للحياة. فالأطفال في كلا البلدين يشعرون بالحرمان من تكافؤ الفرص مقارنة بأقرانهم، لكن حجم وشدة هذا الحرمان يختلفان بشكل جذري.
إن المقارنة بين التجربتين تبرز أن مواجهة الفقر لا ترتبط فقط بمستوى الدخل القومي أو المؤشرات الاقتصادية، بل بمدى قدرة السياسات العمومية على حماية الطفولة وضمان تكافؤ الفرص. وإذا كان أطفال هولندا يحتاجون إلى مزيد من الدعم النفسي والاجتماعي داخل مجتمع غني، فإن أطفال المغرب يحتاجون قبل ذلك إلى ضمان الحاجات الأساسية وبناء منظومة تعليمية وصحية قوية تفتح أمامهم أفقا أرحب من مستقبل اليوم.
