لم يعد العالم اليوم كما كان قبل ثلاثة عقود، حين انفردت الولايات المتحدة بقيادة النظام الدولي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. المشهد الذي يجمع قادة عدد من الدول في تكتلات سياسية واقتصادية بديلة، يعكس بوضوح أن مرحلة جديدة تتشكل على أنقاض الأحادية القطبية، عنوانها الأبرز: التعددية، والتحالفات الشرقية، وصعود أوراسيا كمركز ثقل عالمي.
نهاية الأحادية القطبية
طوال سنوات ما بعد الحرب الباردة، فرضت القوى الغربية قواعد النظام الدولي عبر المؤسسات الاقتصادية الكبرى (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي) وعبر تحالفات عسكرية (الناتو). لكن هذا النظام بدأ يتآكل تدريجيا بفعل الأزمات المتلاحقة: الحرب في العراق وأفغانستان، الأزمة المالية العالمية، وأخيرا الصراع في أوكرانيا.
هذا الضعف فتح المجال أمام قوى صاعدة مثل الصين وروسيا والهند لتطرح نفسها كأقطاب بديلة.
أوراسيا مركز الثقل الجديد
التحالفات التي تضم دول شرق آسيا وروسيا وآسيا الوسطى تعكس أن القارة الأوراسية تتحول إلى قلب العالم السياسي والاقتصادي. الصين بمشروع “الحزام والطريق”، وروسيا بمواردها الطاقوية الهائلة، والهند بقدراتها الاقتصادية والديمغرافية، جميعها عناصر ترسم ملامح توازن عالمي جديد.
إلى جانب ذلك، تلعب دول مثل إيران وكازاخستان وأوزبكستان دورا متصاعدا في ربط الشرق بالغرب.
تحدي النظام الغربي
هذه التكتلات الجديدة تحمل رسائل واضحة للغرب، برفض العقوبات كأداة ضغط سياسي والتحرر من هيمنة الدولار عبر تعزيز التجارة بالعملات المحلية. وكذلك التعاون العسكري والأمني لخلق مظلة ردع أمام الناتو. ثم بناء مؤسسات بديلة مثل بنك التنمية التابع لـ”بريكس”.
والرسالة الأعمق أن العالم لم يعد يتقبل خضوع الجميع لقطب واحد يفرض قواعده.
رمزية الصورة الجماعية
صور القادة الذين يسيرون على سجادة حمراء طويلة والتي التقطت في بكين، أثناء فعاليات رسمية بمناسبة الذكرى الـ75 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، ليست مجرد بروتوكول دبلوماسي؛ إنها عرض قوة رمزي. فهي تُظهر أن هذه الدول تتحرك في صف واحد، وأن المشروع جماعي، وليس مبادرة فردية. كما تعكس أن هذا التحالف يملك قاعدة واسعة من الدول، وليس مجرد محور ثنائي.
سيناريوهات المستقبل
اقتصاديًا: قد نشهد خلال العقد القادم توسعا كبيرا في استخدام العملات المحلية، وتراجعًا تدريجيًا للدولار في التجارة الدولية.
سياسيا: ستظهر تكتلات أكثر تماسكا مثل “بريكس+” ومنظمة شنغهاي للتعاون، في مواجهة الناتو والاتحاد الأوروبي.
أمنيّا: احتمال قيام تحالفات عسكرية أو أمنية جديدة في أوراسيا لموازنة النفوذ الأمريكي.
ثقافيًا وفكريا: تعزيز خطاب بديل عن “النموذج الغربي”، يقوم على احترام الخصوصيات الحضارية والتعددية الثقافية.
ولادة عالم جديد لم تعد مجرد شعار أو توقع أكاديمي، بل واقع يتجلى في الصور والمشاهد السياسية التي نراها اليوم. نحن أمام مرحلة انتقالية تاريخية، حيث لم يعد الغرب وحده سيد اللعبة، بل دخلت قوى صاعدة لتعيد كتابة قواعد النظام الدولي. هذا التحول سيحمل الكثير من التحديات، لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام عالم أكثر تنوعا وتعددا في مراكز القوة.
