في الوقت الذي ودّع فيه الريف فنانا كبيرا من أبناء الريف بعد حادثة مؤسفة وموجعة، اختارت جريدة هسبريس أن تعنون خبر وفاته بعبارة فجة ومهينة: “المحروق في الحسيمة يفارق الحياة”.
عنوان صادم في لحظة حزن جماعي، كشف عن الوجه الحقيقي لصحافة باتت تفقد كل يوم شيئًا من إنسانيتها، وتغرق أكثر في مستنقع الانحطاط الأخلاقي.
الصحافة ليست مجرد كلمات تُنشر، بل مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مهنية. أن تتعامل منبرا إعلاميا مع فاجعة إنسانية بهذا القدر من البرود والابتذال، فذلك يعني أن شيئًا عميقًا اختلّ في ضمير المهنة.
ما فعلته هسبريس لم يكن مجرد “خطأ في التعبير”، بل انحراف متعمد نحو الإثارة الرخيصة، ومحاولة بئيسة لجلب النقرات على حساب مشاعر عائلة الفقيد ومحبيه.
هذا النموذج من الإعلام، الذي يدّعي الاستقلالية وهو يقتات على تمويلات غامضة من جهات أجنبية، لم يعد يخدم القارئ المغربي بقدر ما يخدم أجندات تتغذى على تفكيك الثقة والوعي والأخلاق بين المواطنين. لقد تحولت بعض المنابر إلى أدوات تضخّ الفوضى العاطفية، وتغيب عنها المهنية والضمير الوطني.
وحين تصل الوقاحة إلى حدّ العبث بكرامة الموتى، نكون أمام صحافة بلا روح، بلا انتماء، وبلا شرف الكلمة.
من حق المغاربة أن يطالبوا بإعلام يحترم ذكاءهم ومشاعرهم، لا أن يعبث بها. ومن حق أسرة الفقيد وجمهوره أن يغضبوا من هذا الانحدار الذي لم يعد يُحتمل.
الصحافة ليست حربا ضد الأخلاق، ولا ساحة لتصفية الحسابات أو استعراض العناوين الصادمة. إنها رسالة، ومن يفرّط في شرف الرسالة، يفقد حقه في أن يُدعى صحفيًا.
إن ما نشرته هسبريس في هذا اليوم الحزين لا يُنسى، لأنه لم يجرح عائلة فنان فقط، بل جرح كل من لا يزال يؤمن بأن الإعلام يجب أن يكون صوتا للحقيقة والكرامة، لا بوقا للابتذال والتمويل المشبوه.
