عماد العتابي
في خطابه الأخير، أعاد الملك محمد السادس تكرار عبارة أصبحت مألوفة في الخطاب الرسمي: “لا يجب أن يسير المغرب بسرعتين متفاوتتين”. ظاهريا، تحمل هذه المقولة دعوة إلى العدالة المجالية والاجتماعية، وإلى ردم الهوة بين المركز والهامش. لكن، حين ننزل من مستوى الشعار إلى مستوى الواقع، نجد أن المغرب لا يسير فقط بسرعتين، بل بأرواح متناقضة.. مغرب يُصدر صورة براقة للعالم، وآخر غارق في التهميش، القمع، واللامساواة.
عبارة “لا ينبغي أن يسير المغرب بسرعتين” تُفترض أنها تعكس وعيا سياسيا بخطورة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والمجالية. لكن السؤال الجوهري هو، من المسؤول عن خلق هاتين السرعتين؟ ومن يملك قرار توحيد المسار؟
هل ساكنة الريف، التي طالبت بمستشفى وجامعة وفرص عمل، هي التي قسمت المغرب إلى مركز وهامش؟ أم أن السياسات الأمنية، والإقصاء، والتوزيع غير العادل للثروة، والتعليم، والصحة هي التي صنعت مغربين لا يجمعهما سوى اسم على الخريطة.
في هذا السياق، يمثل حراك الريف التعبير الأكثر وضوحًا عن الهوة بين الخطاب والواقع. شباب خرجوا في مسيرات سلمية، يطالبون بما ينص عليه الدستور: الكرامة، العدالة، والصحة. فكان الرد هو المقاربة الأمنية، وملفات ثقيلة، وأحكام قاسية وصلت إلى 20 سنة.
كيف يمكن للسلطة أن تتحدث عن “مغرب موحد” بينما يقبع في السجون من رفعوا صوتهم من أجل جزء مهمش من الوطن؟ كيف يمكن التوفيق بين “النموذج التنموي الجديد” ووجود معتقلين سياسيين في بلد يقول إنه طوى صفحة الانتهاكات الجسيمة؟
ما يعمق التناقض في الخطاب الرسمي، هو تمجيد “الوجه البهي” للمغرب في الخارج، وتسويق قصص النجاح والحداثة، مقابل شيطنة من يذكر بالوجه الآخر: الريف، زاكورة، جرادة، وغيرها من المناطق التي لا تدخل في عدسات كاميرات الدبلوماسية.
في الوقت الذي يُطلق فيه سراح من أدينوا في قضايا فساد مالي أو اختلاس، ويُستقبل فيه من لا يملكون أي رصيد وطني سوى الضجيج على منصات التواصل، يُترك شباب الحراك خلف القضبان، فقط لأنهم طالبوا بالحياة.
إذا كانت الدولة جادة في إنهاء “السير بسرعتين”، فإن أولى الخطوات ليست في إطلاق الخطابات ولا الإعلان عن الاستراتيجيات، بل في إطلاق سراح معتقلي الرأي ومعتقلي الحراك، وفتح حوار وطني حقيقي حول العدالة المجالية والمحاسبة.
