عماد العتابي
في بلد يُفترض أن يحمي أبنائه، يُقتل طفل صغير بريء، ويصبح مقتله مأساة وطنية، بينما تتخبط مؤسسات الدولة في الصمت والغموض، فتترك المواطنين أمام الفوضى والشائعات. محمد بويسلخن، الراعي الصغير الذي اغتيل بلا ذنب، صار اليوم مرآة صادمة لفشل الدولة، ومرآة صادقة للأسئلة الكبرى؛ فهل نعيش في دولة تحمي حقوق الإنسان، أم في منظومة تسمح للضعفاء بأن يكونوا فريسة سهلة للفوضى والجريمة؟
والده، حمو بويسلخن، يقف عند قبر ابنه صباح اليوم، ويؤكد أن التراب لم يُمسّ وأن جسد ابنه لا يزال في قبره، بينما تنتشر في وسائل التواصل أخبار مزعومة عن إخراج الجثة لإعادة التشريح. الأب، كطرف مدني في القضية، لم يتوصل بأي إخطار رسمي، ولم تصله أي وثيقة تؤكد هذه الإجراءات، ليجد نفسه أمام تضليل واضح وفوضى إعلامية لا حسيب لها.
أي دولة هذه التي تعجز عن طمأنة أب مكلوم؟ أي دولة هذه التي لا تستطيع حماية طفل فقير، ولا حتى التحقيق بشفافية في مقتله؟ غياب الشفافية وترك الحقيقة في يد الشائعات يجعل المواطن العادي يشعر بأن الدولة أضعف من أن تحمي حقوقه، وأن مؤسساتها أصبحت مجرد أدوات لإدارة الفوضى.
لكن الفشل لا يتوقف عند حدود غياب العدالة، بل يتعداه إلى القضاء نفسه. عندما تتعثر التحقيقات في جرائم صغيرة، وعندما تُترك الشكاوى بلا متابعة، وعندما تنسحب الشفافية من مسارات التحقيق، يصبح القضاء أرضاً خصبة للمافيات والمجرمين، الذين يجدون في هذا الفراغ فرصة للتوسع، والتمدد، والسيطرة على كل مستويات الحياة اليومية. النظام القضائي، الذي من المفترض أن يكون خط الدفاع الأول عن الحق والعدالة، يتحول في هذه البيئة إلى جهاز هش، يغذي الجريمة ويجعل من القانون مجرد ورقة لا قيمة لها أمام النفوذ والمال.
محمد لم يكن زعيما سياسيا، ولا ثريا، ولم يكن له تأثير على أحد، لكنه أصبح اليوم شاهدا على فشل الدولة في حماية أبسط حقوق الإنسان. والده يبحث عن الحقيقة، ويطالب بالطمأنينة، بينما الدولة تبدو غير موجودة إلا على الورق. كل يوم يمرّ دون شفافية، كل يوم تتأخر الإجراءات، وكل يوم تُترك الأسرة بلا جواب، يزيد من شعور المواطن بأن العدالة أصبحت امتيازا للأقوياء، بينما الضعفاء وحدهم يتحملون ثمن العجز المؤسسي.
هذه القضية تكشف هشاشة الدولة في كل مستوياتها. من التحقيق القضائي إلى التواصل الرسمي، من حماية حقوق الطفل إلى ضبط المعلومات التي تصل إلى الرأي العام. عندما يغيب الدور الرقابي، ويترك القضاء ضعيفا، ويُترك المواطن في مواجهة الشائعات، تصبح الدولة أكثر شبها بالعصابات التي تحمي مصالحها فقط، وتترك الناس ضحايا للفوضى والجريمة.
إن فشل الدولة في قضية طفل صغير يثير أسئلة أكبر بكثير.. كيف يمكن أن نثق بهذه المؤسسات في القضايا الوطنية الكبرى؟ كيف يمكن أن نؤمن بعدالة يُفترض أن تكون لكل مواطن، عندما يصبح القانون مجرد ستار يغطي المافيات والمجرمين؟ هل سنظل ندفن الحقيقة مع الضحايا، بينما تبقى السلطة عاجزة عن ردع الفساد وحماية الضعفاء؟
محمد بويسلخن لم يعد مجرد طفل بريء رحل، بل أصبح رمزا لفشل الدولة وفشل مؤسساتها في تحقيق العدالة، ورمزا للتحذير من أن القضاء الذي يُترك ضعيفا، والسلطة التي تغيب عنها الشفافية، لا يمكن أن تحمي أحدا سوى من يمتلك القوة والمال والنفوذ.
