في المغرب، يبدو أن الفضول أصبح هواية وطنية، وخاصة تجاه حياة الآخرين، وخصوصا النساء. نتابع أخبار الفنانات ومؤثرات روتيني اليومي، نناقش تفاصيل حياتهن الشخصية، ونحكم عليهن بأحكام أخلاقية صارمة، كما لو أن حياتهن اليومية هي مرآة لشرف المجتمع كله. وفي المقابل، عندما تتعلق الأمور بمشاكلنا الاجتماعية والسياسية، نتراجع عن المشاركة، ندفن رؤوسنا في الرمال، ونتحول إلى متفرجين صامتين أمام قضايا تمس مستقبلنا الجماعي.
ليس غريبا أن تزدهر منصات التشهير والفضائح مثل “شوف تيفي”. فهي ببساطة منتوج طبيعي لشعبية الشائعات ولرغبة جماعية في الاستهلاك السريع لقصص وفضائح مثيرة. الجمهور يجد متعة لحظية في تتبع هذه الحكايات، فيما يظل النقاش الجاد حول القضايا المصيرية غائبا، إنها علاقة تبادلية بين إعلام شعبوي يبيع الفرجة، وجمهور يطلب مزيدا من التسلية على حساب التفكير النقدي.
خذوا على سبيل المثال قضية المؤثرة غيثة. ع ، المرأة تحاكم، تراقب، وتُتهم على كل اختيار شخصي، بينما يغفل المجتمع الرجل، سواء في الأخطاء نفسها أو في المسؤوليات الكبيرة. هذه الازدواجية ليست صدفة؛ هي انعكاس لمجتمع يرى المرأة رمزا للشرف ومقياسا لقيم العائلة، بينما الرجل مستقل، حر، ومبرر في كل شيء تقريبا.
هذا الانشغال بحياة الآخرين، مع تجاهل المشكلات الحقيقية، يعكس أيضا خوفا مجتمعيا من مواجهة الواقع. السياسي، الاقتصادي، والاجتماعي لأنها مجالات معقدة، تفرض على الفرد معرفة وتحليلا، وربما تحمله مسؤولية. أما الفضائح سهلة، ممتعة، وتوفر شعورا بالسيطرة، بينما مواجهة القضايا الكبرى تتطلب الشجاعة والالتزام والتضحية.
الأمر ليس مجرد ظاهرة إعلامية أو ثقافية؛ إنه انعكاس لآلية عمل المجتمع نفسه يميل إلى التركيز على التفاصيل الصغيرة، ويهمل الصورة الكبرى. ويتركنا هذا الانقسام بين الفضول والاهتمام بالجوهر في حلقة مستمرة من التسلية السطحية دون تقدم حقيقي.
المؤلم حقا أن أجساد الناس وأعراضهم وخصوصياتهم تحولت إلى مادة للنهش العلني. تُنتهك البيوت وتُعرض صور العائلات بلا وجه حق، وتُقام محاكم أخلاقية تشبه تلك التي عرفتها البشرية في عصور بدائية. صار البعض يتلذذ بالفرجة على مآسي الآخرين، يجد في ذلك وجبة دسمة للتشفي، أو فرصة لجني المال دون وخز ضمير.
أمام هذا المشهد، ينتابك الخوف. إلى أي حد يمكن أن ينزلق مجتمع كامل إلى “ساحة الوغى” حيث تُرمى كرامة الإنسان في التراب لتتحول إلى عرض جماهيري؟ هل نرضى أن نعيش في مجتمع يرقص على أجساد ومشاكل الناس، بينما يشيح بوجهه عن جراحه العميقة؟
ربما حان الوقت لإعادة ترتيب أولوياتنا، لنخرج من دائرة الفضول التي تشغلنا عن حياتنا ومشاكلنا الحقيقية، لنوجه اهتمامنا نحو ما يشكل مستقبلنا، لا ما يثير اهتمامنا اللحظي.
الفضول قد يكون طبيعيا، لكن عندما يصبح بديلا عن المشاركة الفاعلة في قضايانا، يتحول إلى نوع من العمى الجماعي. لأن المجتمع الذي يراقب الآخرين دون أن يراقب نفسه، هو مجتمع يختار التسلية على حساب التغيير.
