إسماعيل إبن حساين
في أواخر يونيو 2025، استفاق سكان دوار آيت زعرور بجماعة أغبالو إسرادن بإقليم ميدلت على خبر مأساوي: العثور على جثة الطفل محمد بويسلخن، البالغ من العمر 14 سنة، معلقة تحت أعمدة خشبية. لم يكن محمد سوى واحد من مئات الأطفال الذين يُستغلون في الرعي تحت نظام يعرف بـ”الربع”، وهو شكل من أشكال العمل القسري يفتك بطفولة البدو في صمت.
منذ اللحظة الأولى، سارعت السلطات إلى ترجيح فرضية الانتحار. لكن الرواية الرسمية لم تقنع الأسرة ولا الساكنة المحلية، بل أثارت عاصفة من الشكوك حول ملابسات الوفاة، خاصة بعد غياب أي مؤشرات واضحة تدعم هذا التفسير، وإخضاع جثة الطفل للتشريح دون حضور ذويه أو محاميهم. كما أن مسرح الحادث لم يُؤمن كما تقتضيه الأصول، ما زاد من حجم التساؤلات حول إن كانت الوفاة فعلاً انتحارا أم جريمة قتل يُراد التستر عليها.
في مواجهة هذا الغموض، ولدت “لجنة الحقيقة والمساءلة” بمبادرة من فروع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بجهتي درعة تافيلالت وبني ملال خنيفرة. هدف اللجنة كان واضحا: تفكيك الرواية الرسمية، وكشف الحقيقة، وتحقيق العدالة لطفل رحل في ظروف غير إنسانية.
نتائج المعاينة الميدانية التي أجرتها اللجنة أطاحت كلياً بفرضية الانتحار. لم يُعثر على عقدة بالحبل، ولم تظهر على رقبة محمد آثار خنق أو احتقان، كما أن الجثة كانت في وضعية جاثية غير منسجمة مع سيناريو الشنق. بل إن العصا التي عُلِّق بها الحبل كانت أقصر من قامته، ما يجعل فرضية الانتحار غير منطقية بأي حال.
في بيانها، وصفت اللجنة ما وقع بأنه “جريمة قتل بشعة” يُراد إخفاؤها وتزوير معالمها، وسط محاولات ممنهجة لتضليل الرأي العام وطمس الحقيقة.
رد الفعل الشعبي لم يتأخر. خرجت مسيرات حاشدة في أغبالو وقلعة مكونة يومي 15 و21 يوليوز، شارك فيها مئات المواطنين إلى جانب فعاليات مدنية، مطالبين بالحقيقة والعدالة ومحاسبة كل المتورطين. واعتبر الحقوقي “كبير قاشا” هذه التحركات “صرخة شجاعة في وجه الصمت والتواطؤ”، منتقدا التسرع في تسويق رواية الانتحار لإغلاق الملف مبكرا.
حتى على المستوى السياسي، دخل فرع حزب الاستقلال بميدلت على خط القضية، مطالبا بتوضيحات رسمية حول التسريبات الإعلامية التي دعمت فرضية الانتحار قبل اكتمال التحقيقات.
اللجنة لم تكتف بتشخيص الخلل، بل قدمت توصيات واضحة: فتح تحقيق قضائي مستقل تُشرف عليه جهة محايدة خارج الإقليم، إعادة فحص تقرير التشريح بحضور الأسرة، تأمين الأدلة الجنائية، وتوفير الدعم الاجتماعي لعائلة محمد التي تعاني هشاشة معيشية حادة.
رغم الزخم الحقوقي والمدني الذي رافق هذه القضية، فإن الطريق نحو العدالة لا يزال محفوفاً بالعراقيل، أبرزها تشبث بعض الجهات بالرواية الرسمية، وتباطؤ المسار القضائي، في ظل مطالب متزايدة بالاعتراف بما جرى كجريمة تستحق كل أشكال المساءلة.
قضية الطفل محمد بويسلخن لم تُغلق بعد. إنها عنوان لصراع أوسع ضد الظلم الاجتماعي، وضد استغلال الأطفال في أعمال قاسية دون حماية، وضد صمت قد يغري بوقوع مآسٍ أخرى. أما لجنة الحقيقة والمساءلة، فقد اختارت أن تجعل من دم محمد منارة طريق نحو عدالة لا تعرف المساومة، وكرامة لا تسقط بالتقادم.
