عماد العتابي
بعد تراكم الخيبات وفقدان الثقة في أغلب المكونات السياسية والنقابية وحتى الحقوقية لإحداث تغيير حقيقي عندما يصلون للسلطة أو على الأقل عدم الإنصهار في منظومة المخزن، يصبح السؤال عن البديل سؤالًا وجوديا، لا رفاهية فكرية. في بلد مثل المغرب وصل الاحتقان الإجتماعي لمستوى ينذر بانفجار وشيك، بسبب ارتفاع نسبة الفقر وغلاء المعيشة، والإحساس بالظلم والحكرة، فضلا عن قمع كل صوت غرد خارج السرب، تبرز الحاجة الملحة إلى يسارٍ حقيقي لا نخبوي، يسار متجذر في الأرض والناس، قادر على مواجهة هذا الانهيار وبناء دولة إجتماعية في مواجهة توغل الرأسمالية.
ما نعيشه ليس أزمة عابرة، بل مسار انهياري طويل. الأنظمة النيوليبرالية الحاكمة، المتحالفة مع مصالح رأس المال والسلطة، أنتجت نموذجا فاشلا في التنمية والحكم. والنتيجة تعليم مخصخص وفاشل، صحة للأغنياء فقط، بطالة خانقة، وهجرة كأنها الخلاص الأخير. وفي كل مرة يُطرح السؤال: من يدافع عن الناس؟ من يقف في وجه هذه السياسات؟ من يقود المواجهة؟ لا نجد إلا فراغا سياسيا مخيفا، أو قوى مدجنة فقدت صلتها بالواقع.
وسط هذا الفراغ، لا يمكن تجاهل الخطر الموازي الذي يتغذى من الفوضى ويعمل على إعادة تدوير الخراب؛ خطر تمدد جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها التخريبية. فهذه الجماعة، التي ترفع شعارات دينية لتغطية مشاريعها السياسية السلطوية، لا تختلف جوهريا عن أنظمة القمع التي تزعم معارضتها. لقد أثبتت التجارب في أكثر من بلد أنها ليست قوة تغيير، بل قوة ارتداد، تمارس الإقصاء، وتُقايض بالدين من أجل السلطة، وتعيد إنتاج الاستبداد بأدوات “أخلاقية”.
لكن الأخطر من كل ذلك هو التواطؤ غير المعلن أو المعلن أحيانا؟ بين مشاريع الإخوان والمخططات الصهيوأمريكية لتفكيك المنطقة، من خلال نشر الفوضى الطائفية، وضرب الهوية الوطنية الجامعة، وزرع الانقسام المجتمعي، ساهمت الجماعة، سواء عن قصد أو كأداة، في تنفيذ أجندات خارجية تهدف إلى إعادة رسم خرائط الدول في المنطقة، وتفكيك المجتمعات من الداخل، وتحويل الأوطان إلى ساحات صراع دائم.
لقد أصبح واضحا أن مشروع الإخوان، بمضمونه العابر للحدود، يتقاطع موضوعيا مع مشاريع التقسيم الإمبريالية التي تستفيد من كل ما يضعف الدولة الوطنية، ويفكك المجتمعات، ويجهز البيئة لصراعات داخلية لا تنتهي.
لكل هذه الأسباب نحن في حاجة إلى إعادة إحياء اليسار لكل بشروط أن يكون تنظيم لا يتبنى فقط شعارات جوفاء ولا مجرد خطاب عاطفي عن “العدالة الاجتماعية”. أن مشروع تغييري جذري، مرتبط بالناس، منظم، نزيه، ومستقل. يسار لا يساوم على قضايا الحرية والكرامة. يسار يواجه لا يُهادن، يعمل من القاعدة لا من القمة، من الهامش لا من الصالونات.
أن يكون تنظيما سياسيا ديمقراطيا منفتحا على الناس. وخطابا صريحا ضد الاستغلال الطبقي، والقمع السياسي، والتوظيف الديني للسلطة. مع مشروع بديل في الاقتصاد والتعليم والصحة والسكن. ونضالا ميدانيا لا يكتفي بالإعلام والمنشورات.
لذلك علينا أن نستوعب أن اليسار لا يبنى بقرار من مثقف غاضب أو حزب ورقي، بل من خلال إعادة بناء النقابات والحركات الاجتماعية على أسس نزاهة والاستقلالية، والانخراط في معارك الناس اليومية، ومواجهة كل أشكال التسلط والسلطوية.
نعم، نحن في حاجة إلى يسار حقيقي، لا مجرد أمنية رومانسية أو حنين إلى الماضي. نحتاجه لأن الصمت لم يعد خيارا، ولأن الخراب لن يتوقف من تلقاء نفسه. التغيير الجذري ممكن، لكنه لن يحدث إلا حين نملأ الفراغ بقوى تحمل مشروعا نزيها، واضحا، وشجاعا في مواجهة كل أدوات القمع والتخريب، من السلطة إلى أذرع الإخوان، ومن الفساد المحلي إلى المشاريع الإمبريالية التي تتغذى على هشاشة الداخل.

السلام عليكم،
في الحاجة إلى تنظيم سياسي يساري بالمغرب
لم يعرف هذا الوطن منذ تأسيسه الحديث في 1956 تنظيما سياسيا يساريا ذا بعد جماهيري،كانت تجارب المركزيات النقابية و بعض الخلايا اليسارية التي لم تستطع أن تتطور تنظيميا لأسباب ذاتية أو موضوعية (إلى الأمام،لنخدم الشعب،23مارس).
مرحلة الثمانينات و التي شهدت عدة انتفاضات شعبية (81،84،89) عرفت أيضا محاولات من بعض التنظيمات اليسارية للانفتاح تنظيميا على الجماهير مما أدى في بداية التسعينات لبروز محاولات تجميع اليسار أولا بجرائد و دوريات(الأفق،المواطنة….)و لا حقا بتنظيمات سياسية (الطليعة،النهج،الديموقراطيون المستقلون،الحركة من أجل الديمقراطية…) وقد برزت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان كفاعل مدني قوي و تجارب أخرى مدنية(المعطلين،أطاك…).
الآن نقف بعد حركة20 فبراير التي فضحت غياب التنظيم السياسي اليساري و عدم تطوير التجربة و الخروج بإصلاحات دستورية سطحية لم تلامس الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية للشعب.
الآن نقف بعد 15سنة مع حركة زيد212في نفس الوضع التنظيمي المهترء لليسار.
أحيي عاليا محاولات العديد من مناضلي شبيبة اليسار لمحاولاتهم الجادة في تطوير الفعل اليساري بالشارع،ينقصنا رفاقي تطوير الذات و محاولة بناء التنظيم اليساري الوحدوي الضامن لاستمرارية الفعل و الاستثمار السياسي لتضحيات الجماهير الشعبية.
تحياتي لكافة المعتقلين السياسيين،نحو مغرب حر و ديمقراطي.