صفرو/ المغرب
قررت المحكمة الابتدائية في صفرو، يوم أمس الخميس، عدم تمتيع الفنان الراب المغربي جواد أسرادي المعروف فنيا باسم “Pause Flow” بالسراح المؤقت، وأحالت قضيته على الاعتقال الاحتياطي مع تحديد موعد استئناف المحاكمة يوم 27 نونبر المقبل، بعد تأجيلها لإتاحة الوقت لإعداد الدفاع.
الفنان يواجه تهم إهانة هيئة منظمة وإهانة موظفين عموميين أثناء قيامهم بمهامهم، وذلك على خلفية مقاطع من أغانيه المنشورة على “يوتيوب”، والتي تناولت انتقادات اجتماعية وسياسية مرتبطة بسلسلة احتجاجات الشباب الأخيرة، والمعروفة باسم احتجاجات “جيل زد”.
دفاع الفنان شدد على أن موكله لا يشكل أي خطر على النظام العام، وأن الأصل في المتابعة هو براءة المتهمين حتى تثبت إدانتهم، كما أبرز تجاوبه مع استدعاءات الشرطة واستعداده لتقديم الكفالة، مشيراً إلى وضعه الصحي الذي يتطلب متابعة طبية دقيقة.
على النقيض، رفضت النيابة العامة طلب الإفراج، معتبرة أن الفنان يشكل “خطراً محتملاً” بسبب انتشاره الواسع على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتجاوز عدد متابعيه مليوني شخص. هذا الموقف، في نظر المراقبين، يعكس رغبة السلطات في فرض رقابة صارمة على الخطاب الرقمي، حتى وإن جاء ضمن إطار فني أو موسيقي.
قضية “Pause Flow” تكشف بوضوح الخطوط الحمراء التي وضعتها الدولة المغربية على حرية التعبير الرقمي والفني. ففي حين يوفر القانون مساحة نظرية للتعبير، يبدو أن أي نقد موجه للهيئات الرسمية أو للدولة، حتى عبر قالب فني مثل الراب، لا يلقى سوى الرد الأمني والقضائي الفوري.
الاعتماد على تهم “إهانة هيئة منظمة” و”إهانة موظفين أثناء قيامهم بمهامهم” تجاه فنان يمارس عمله عبر الفن الرقمي يفتح الباب لتفسير واسع وفضفاض لأي محتوى يمكن أن يُعتبر مسيئا. هذا الأسلوب، يشكل تحذيرا غير مباشر لكل الفنانين والمبدعين الشباب من تناول قضايا حساسة، ويخلق مناخا يربط بين الانتقاد الفني والتحدي للنظام العام.
في السياق الاجتماعي، تأتي متابعة “Pause Flow” في وقت حساس تشهده المغرب احتجاجات واسعة للشباب حول التعليم والعمل والفساد والمطالبة بالإصلاحات. الفضاء الرقمي، الذي أصبح أداة رئيسية للتعبير عن الغضب والاحتجاج، يبدو الآن محورا للسيطرة والمراقبة المباشرة من طرف الدولة، ما يجعل أي صوت معارض معرضا للتكميم أو الترهيب القانوني.
القضية أيضا تضع السؤال الكبير حول دور الفن الرقمي في المجتمعات المعاصرة، إلى أي حد يمكن للفنان التعبير عن الرأي النقدي والمجتمعي دون مواجهة عقوبات؟ وإلى أي حد تستطيع الدولة التحكم في محتوى منصات التواصل الاجتماعي التي تجاوزت حدود المراقبة التقليدية؟
من جانب آخر، يبدو أن اعتقال الفنان وإحالة قضيته على الاعتقال الاحتياطي، رغم عدم ثبوت أي ضرر مباشر للنظام العام، يعكس استراتيجية للسيطرة على الرأي العام الشبابي وتقليص مساحة النقد الرقمي. هذه السياسة، إذا استمرت، قد تؤدي إلى بيئة فنية رقمية خاضعة للرقابة الذاتية، حيث يخشى الفنان من التجربة النقدية الحقيقية خوفا من الملاحقة القانونية.
قضية “Pause Flow” ليست مجرد قضية فنان في مواجهة القانون، بل رمز لصراع أوسع بين حرية التعبير الرقمي والفن، وجهاز الدولة التي يسعى للسيطرة على الخطاب العام في الفضاء الرقمي. والمتابعون يرون أن مصير الفنان سيكون له صدى واسع، وقد يشكل اختبارا حقيقيا لمصداقية الدولة في حماية الحقوق الأساسية، وفي التوازن بين النظام العام وحرية التعبير.
في النهاية، تبقى محاكمة “Pause Flow” مؤشراً على جدية الدولة في فرض رقابتها على المحتوى الرقمي، لكنها في الوقت نفسه تضع نفسها في مواجهة الرأي العام والمجتمع المدني والفنانين الشباب، الذين لن يتوقفوا عن المطالبة بمساحة للتعبير عن واقعهم ومطالبهم.
