عماد العتابي
في زمنٍ تُحاول فيه الآلة الدعائية الصهيونية أن تخلط بين “اليهودية” و”الصهيونية”، يبرز اسم سيون أسيدون بوصفه مثالا حيا على أن الانتماء الديني أو الإثني لا يعني بالضرورة الانحياز الأعمى لسياسات الإحـتلال. أسيدون، المناضل اليساري المغربي ذو الجذور اليهودية، جعل من حياته شاهدا على أن النضال من أجل الحق لا يقيّده العِرق أو العقيدة، بل يحركه الضمير الإنساني.
ولد أسيدون في المغرب لأسرة يهودية مغربية عريقة، وعاش في بيئة ثقافية متعدّدة الانتماءات، ما منحه مبكرا حسًّا نقديا تجاه الظلم والتمييز. انخرط في صفوف اليسار المغربي، معارضًا للاستبداد الداخلي، ومناصرا لقضايا التحرر في العالم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وبخلاف الصورة النمطية التي تسوّقها الدعاية الإسرائيلية عن “يهود العالم” ككتلة واحدة مؤيدة للصهيونية، اختار أسيدون الانحياز للشعب الفلسطيني، رافضا الاحتلال والاستيطان وكل أشكال التمييز العنصري.
بكوفيته الفلسطينية، يطل سيون أسيدون في كل المسيرات المنددة بالاحتلال الإسرائيلي، حاملاً موقفًا حادًا يفرق بين الديانة اليهودية والصهيونية التي يعتبرها تنظيمًا سياسيًا استعمارياً ومظهرًا للتمييز والاحتلال.
دخل أسيدون عالم السياسة في ستينيات القرن الماضي عبر مناهضة الإمبريالية الأميركية، وفي عام النكسة 1967 انفتح على القضية الفلسطينية، مكتشفًا زيف الأساطير التي تروجها الصهيونية. ومنذ ذلك الحين، صارت فلسطين جزءًا لا يتجزأ من مسيرته النضالية، سواء في صفوف اليسار الماركسي المغربي أو من خلال انخراطه في الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل (BDS) والجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع.
يُعد أسيدون من مؤسسي اليسار الجديد بالمغرب، مشاركًا في تأسيس منظمة “23 مارس” سنة 1970، وهي إطار ثوري كان يؤمن بضرورة أن يكون الحكم بيد الشعب. كما أسس لاحقًا منظمة “ترانسبرانسي المغرب” لمحاربة الرشوة والفساد، وترأسها كأول كاتب عام لها. أما على صعيد النضال الدولي، فقد تبنى خيار المقاطعة الشاملة لإسرائيل، معتبرًا أن حركة المقاطعة العالمية (BDS) حققت مكاسب ملموسة، مثل انسحاب بعض البنوك والشركات العالمية من الاستثمار في إسرائيل. وأسمى أمانيه أن يستعيد الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة، وأن تعود فلسطين أرضًا للسلام لجميع أبنائها بمن فيهم اللاجئون.
في 23 فبراير 1972 اعتُقل واقتيد إلى المعتقل السري “دار المقري”، حيث تعرض لتعذيب شديد ترك جروحًا دائمة في يده وأذنه.
وُجهت له تهمة التخطيط لقلب نظام الحكم، لكنه أكد أن السبب الحقيقي لاعتقاله هو نشره مع رفاقه جريدة “صوت الكادح” التي تضمنت مقالات رأي معارضة.
خاض في ديسمبر 1972 إضرابًا عن الطعام دام 32 يومًا للمطالبة بحقوق المعتقلين السياسيين. وفي غشت 1973 حكمت عليه محكمة الجنايات بالدار البيضاء بالسجن 15 عامًا.
تنقل بين السجن المركزي بالقنيطرة والعزلة الانفرادية، وتعرض مجددًا للتعذيب سنة 1975. وفي أكتوبر الأول 1979 حاول الفرار من مستشفى ابن سينا بالرباط، لكنه أُعيد إلى السجن بعد أربعة أيام.
طوال فترة سجنه التي تجاوزت 12 عامًا، أتم أسيدون دراسته الجامعية وحصل على إجازتين في الرياضيات والاقتصاد، وحظي بدعم جمعيات حقوقية وطنية ودولية وعائلته التي أسست في فرنسا لجنة للمطالبة بإطلاق سراحه.
افرج عنه في 1984 في إطار عفو عام أصدره الملك الراحل الحسن الثاني بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب.
منذ خروجه من السجن، لم يتوقف أسيدون عن النضال في قضايا الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والشفافية، وفي قلبها القضية الفلسطينية. ورغم تقدمه في السن، ظل حاضرًا بقوة في الشوارع والساحات، مؤمنًا أن النضال الجماهيري هو السلاح الأقوى في مواجهة التطبيع والاحتلال.
يمثّل أسيدون برهانا حيا على أن النضال ضد الظلم لا تحدّه حدود الدين أو العرق، وأن اليهودية ليست حكرا على الصهاينة، بل يمكن أن تكون منبعا للقيم التحررية إذا تحررت من أسر الأيديولوجيا الاستعمارية.
