باريس/ فرنسا
في خطاب وُصف بالأكثر صراحة وإثارة للقلق منذ عقود، دعا رئيس أركان الجيوش الفرنسية، الجنرال فابيان ماندون، رؤساء البلديات إلى تهيئة المواطنين لسيناريوهات صعبة قد تواجه البلاد خلال السنوات الأربع المقبلة، في إشارة مباشرة إلى احتمال اندلاع صراع كبير في أوروبا.
لم يكتفِ الجنرال ماندون بوصف الوضع الدولي بـ”المتدهور”، بل ذهب أبعد من ذلك قائلاً إنّ فرنسا يجب أن تكون جاهزة خلال 3 إلى 4 سنوات، معتبراً أن العالم يتجه نحو لحظة حاسمة قد لا تكون سلمية.
تصريحاته الأكثر صدمة كانت عندما تحدث عن احتمال “تقديم تضحيات”، بما في ذلك خسارة شباب فرنسيين في مواجهات مستقبلية.
وخلال كلمته في مؤتمر رؤساء البلديات، ذهب ماندون إلى حدّ التحذير من ضرورة الاستعداد لمرحلة قد تتطلب «تضحيات مؤلمة»، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو حتى الإنساني. هذه التصريحات، التي وُصفت بأنها الأكثر صراحة من مسؤول عسكري رفيع منذ عقود، أثارت جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والإعلامية في فرنسا.
وطالب الجنرال ماندون رؤساء البلديات بلعب دور مركزي في توعية سكانهم، مشيراً إلى أن الدفاع الوطني لم يعد مسؤولية المؤسسة العسكرية وحدها، بل مسؤولية مجتمعية تبدأ من السلطات المحلية. وأكد على أهمية تعزيز التعاون بين البلديات والقيادات العسكرية في كل منطقة، وتوفير مساحات للمناورات والتدريبات، وتسهيل استقبال العسكريين وعائلاتهم في السكن والخدمات العامة.
كما أشار رئيس الأركان إلى أن الجيش الفرنسي يعمل على مضاعفة عدد الاحتياط، في خطوة تعكس حجم القلق من اشتداد التوترات الدولية واتساع رقعة المخاطر التي تشمل أوروبا وأفريقيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تُظهر رغبة في رفع قدرة الردع الفرنسية، لكنها في الوقت ذاته تعكس إدراكاً متزايداً لقرب مرحلة اضطراب عالمي.
ولم تمرّ تصريحات ماندون بهدوء، إذ سارعت العديد من القوى السياسية إلى انتقادها بشدة، معتبرة أنها تنطوي على «رسائل مقلقة» قد تزيد من توتير الأجواء داخل المجتمع الفرنسي. بينما رأى آخرون أن كلامه بمثابة ناقوس خطر يجب التعامل معه بجدية، في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة وتراجع الاستقرار على المستوى الدولي.
ويجمع المحللون على أن خطاب رئيس أركان الجيوش لا يعبّر فقط عن رؤية عسكرية ضيقة، بل يعكس اتجاهاً جديداً في التفكير الاستراتيجي الفرنسي، يقوم على إشراك المجتمع في الاستعداد لسيناريوهات كانت تُعدّ في السابق مستبعدة أو بعيدة. وبين من يرى في هذه الرسالة محاولة لتعزيز قدرة الردع الوطنية، وبين من يعتبرها تهويلاً غير مبرّر، يبقى المؤكد أن فرنسا تدخل مرحلة عنوانها: الاستعداد للمجهول.
