في 28 أكتوبر 2016، شهدت مدينة الحسيمة واقعة هزت الريف والرأي العام المغربي والعالمي، إستشهاد محسن فكري، الشاب بائع السمك الذي سحقته شاحنة للنفايات أثناء محاولته حماية بضاعته من المصادرة. هذه الواقعة شكّلت الشرارة التي أطلقت حراك الريف، حركة احتجاجية سلمية واسعة النطاق، لم تكتفِ بالمطالبة بالعدالة لحادثة واحدة، بل وسعت مطالبها لتشمل العدالة الاجتماعية، التنمية المتوازنة، وإصلاحات سياسية حقيقية.
من خلال الحراك، أصبح صوت منطقة طالها الإقصاء طويلًا مسموعًا على الساحة الوطنية، وأكد أن الغضب الجماعي عندما يتشكل بطريقة سلمية ومنظمة يمكن أن يشكل قوة ضغط لا يمكن تجاهلها.
لفهم حراك الريف، لا يمكن تجاهل التاريخ الطويل للعلاقة المتوترة بين الريف والمركز السياسي المغربي. هذه العلاقة اتسمت منذ عقود بعدم الثقة المتبادلة، نتيجة شعور سكان المنطقة بالإقصاء والتهميش في مختلف المجالات؛ التنمية الاقتصادية، توزيع الموارد، الخدمات العامة، والبنية التحتية.
الريفيون يشعرون أن مطالبهم ومشاكلهم غالبا ما تُهمش، وأن السياسات المركزية لا تعكس احتياجاتهم الواقعية. هذا التوتر المزمن لم يخلق فقط شعورا بالاحتقان، بل رسخ إحساسا بعدم المساواة، وهو ما جعل أي حادثة مأساوية، مثل وفاة محسن فكري، تتحول بسرعة إلى حركة جماهيرية واسعة تطالب بالتغيير.
الحراك لم يكن مجرد احتجاج على حادثة فردية، بل تعبيرا عن أزمة ثقة طويلة بين المواطنين والمركز السياسي. وقد جسد الحراك مطلبا واضحا، هو أن يُعامل سكان الريف كمواطنين متساوين، وأن تُلبي احتياجاتهم التنموية والاجتماعية والثقافية بشكل عادل، دون تمييز أو إقصاء.
إن أهمية حراك الريف تكمن في تحويل مأساة فردية إلى قضية وطنية، حيث عبّر الريفيون عن مطالبهم بطريقة سلمية، من خلال احتجاجات، مسيرات، ووقفات حضارية، بعيدا عن العنف أو التخريب. وهذا التحول يوضح أن الغضب الجماهيري المنظم يمكن أن يصبح أداة للتغيير الاجتماعي والسياسي.
وعلى الرغم من مرور 9 سنوات على وفاة محسن فكري، يظل حراك الريف رمزا للنضال المدني السلمي في المغرب. وقد ساهم في توجيه الأنظار إلى التحديات الحقيقية التي تواجه مناطق مثل الريف، وهي تحديات لم تكن حاضرة بوضوح في النقاش السياسي قبل 2016.
لكن يبقى التساؤل الأهم، هل تحولت مطالب الريف إلى خطوات ملموسة على أرض الواقع؟ هل استوعبت الدولة العميقة الرسائل العميقة التي أطلقها الحراك حول العدالة الاجتماعية والتنمية؟ الحقيقة أن الإجابة ما زالت محل نقاش، مما يعكس أن العلاقة بين المركز والمناطق المهمشة لا تزال مشحونة بالتوتر والشكوك.
حادثة محسن فكري وحراك الريف يذكراننا بأن المأساة الفردية يمكن أن تتحول إلى قوة جماعية للتغيير الاجتماعي والسياسي. كما يظهر أن أي سياسات لا تستجيب لمطالب المناطق المهمشة لن تستطيع أن تبني ثقة حقيقية بين الدولة والمواطنين. الإصغاء لمطالب الريف وغيرها من المناطق المهمشة ضرورة استراتيجية للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، وإرساء أساس التنمية والعدالة الاجتماعية، وبناء وطن حقيقي يتسع للجميع.
