هيئة التحرير
في جبال الريف، حيث يُفترض أن يكون النقاء والسكينة، توجد تماسينت، بلدة تعيش في صمت مؤلم على هامش التنمية، تُصارع انهيار البنية التحتية، وتُقاوم “حصارا” إداريا لا يعلن، لكنه محسوس في تفاصيل الحياة اليومية للسكان.
في قلب الريف، وتحديدا بين جبال الحسيمة، تقبع تماسينت، البلدة الصغيرة بمساحتها، الكبيرة بهمومها وتاريخها. لسنوات طويلة، تحولت هذه النقطة المعزولة إلى عنوان دائم للتهميش، حيث تُختصر معاناة السكان في ثنائية قاتلة: انهيار شبه كلي للبنية التحتية، وحصار تنموي غير مُعلن.
في تماسينت، ليست المياه العذبة ما يشق طريقه عبر الأزقة، بل “الواد الحار”، الذي يحاصر البيوت ويزكم الأنوف. شبكة الصرف الصحي متهالكة، بل منعدمة تماما في بعض الأحياء. ومع أولى زخات الشتاء، تنقلب الشوارع إلى مستنقعات آسنة، ويُصبح التنقل مغامرة يومية.
ولا يقتصر المشهد على الروائح والفيضانات، فعدد من مداشر تماسينت يعاني انقطاعًا متكررا في الماء الصالح للشرب، حتى في عز الصيف. ارتفاع درجات الحرارة لا يوازيه سوى ارتفاع الإحساس بـ”العقاب الجماعي”، كما يسميه بعض السكان، الذين يرون في هذا الانقطاع وسيلة غير معلنة لإخماد أصواتهم المطالبة بحقوقهم الأساسية.
لكن المعاناة لا تتوقف هنا. في ما يشبه الحصار غير المعلن، تغيب مشاريع التنمية عن البلدة بشكل شبه كلي. المستوصف الوحيد لا يلبي الحد الأدنى من الحاجيات الصحية، والمدرسة تئن تحت وطأة نقص الأطر والتجهيزات. أما فرص الشغل، فهي تقريبا غير موجودة، ما يدفع الشباب إلى الهجرة أو الارتماء في حضن اليأس.
وقد كانت تماسينت من أوائل البلدات التي خرجت في احتجاجات سلمية للمطالبة بتحسين الأوضاع، إلا أن هذه التحركات غالبا ما تُقابل بالتجاهل، أو بأسلوب أمني يُفرغها من مضمونها الاجتماعي. ويؤكد نشطاء محليون أن “رفع الصوت” في تماسينت قد يكلف صاحبه استدعاء أو متابعة، ما زاد من حالة الإحباط ومنسوب القلق بين الشباب.
يقول أحد سكان تماسينت:
“نحن لا نطلب أكثر من حقوقنا الأساسية… نريد أن نعيش بكرامة، لا أكثر.”
تماسينت اليوم لا تحتاج إلى زيارات بروتوكولية أو وعود موسمية، بل إلى إرادة سياسية جادة تُعيد الاعتبار لهذه البلدة المنسية. تحتاج إلى بنية تحتية تحترم الإنسان، وإلى خدمات صحية وتعليمية تحفظ الكرامة، وإلى فرص تتيح للشباب الحلم داخل موطنهم.
إن إنقاذ تماسينت لا يجب أن يظل حبيس المكاتب أو رفوف التقارير، بل يجب أن يبدأ بخطوة فعلية تُعيد لهذه البلدة حقها في الحياة، وكرامتها في الوطن.
فبلدة بهذا التاريخ، وبهذا الإصرار، لا تستحق أن تبقى بين سندان “الواد الحار” ومطرقة الحصار المستتر.
