في زمن التحالفات الهجينة والتقاطعات الملتبسة، يواجه اليساريون والشيوعيون في المغرب والمنطقة سؤالًا وجوديا؛ هل يمكن أن يظل الشيوعي جذريا، مخلصا لقيم المساواة والعدالة الاجتماعية، وهو يجد نفسه ضمن جبهة واحدة مع قوى أصولية طالما حاربت مبادئه؟
التاريخ يعلّمنا أن التحالفات الظرفية مع قوى متناقضة فكريا قد تُنتج انتصارات آنية، لكنها غالبا تترك وراءها خسائر استراتيجية فادحة. اليسار الذي يساوم على مبادئه في سبيل “الضرورة السياسية” ينتهي به الأمر إما مهمشا، أو مجرد ذيل لتيارات أكثر قدرة على تعبئة الجماهير بخطاب ديني أو قومي عاطفي، وتجرية سوريا ليست ببعيدة.
خذ مثلا جماعة العدل والإحسان، خطابها يقوم على منطلقات دينية محافظة، ورؤيتها للمجتمع والحرية الفردية تتناقض كليا مع الرؤية الشيوعية القائمة على التحرر والمساواة. ورغم ذلك، يختار البعض الدخول معها في تحالفات بدعوى مواجهة الاستبداد أو التضامن مع فلسطين. لكن ما يحدث فعليا؟ تتحول القضايا العادلة إلى مجرد ستار يخفي مشروعا سياسيا رجعيا يستثمر في الدماء والمآسي لإعادة إنتاج الهيمنة، لا لكسرها.
القضية الفلسطينية نفسها، جوهرة العدالة الأممية، كثيرا ما تُستغل كأداة ابتزاز عاطفي وسياسي. الشيوعي يقف مع فلسطين لأنها قضية حق وحرية وطنية ضد الاستعمار والصهيونية، لكنه يرفض أن تتحول إلى شعار يُرفع بأيدٍ ملوثة بدعم قوى إرهابية إقليمية تسحق الاقليات وتبيع النساء في سوق النخاسة وخدمة أجندات ومخططات صهيوأمريكية، من سوريا إلى العراق. لا يمكن أن يتحول الدفاع عن غزة إلى ورقة تبيض بها الأصولية سجلها الدموي.
كشيوعي مؤمن، أجد نفسي في صراع حاد بين القيم التي أؤمن بها والتحالفات السياسية التي تتشكل اليوم في المنطقة. إن موقف الشيوعي الحقيقي لا يُقاس فقط بمدى صدقه في الدفاع عن حقوق الإنسان، بل بقدرته على رفض التحالفات التي تنتهك القيم التي نؤمن بها، حتى لو بدت “استراتيجية” أو “ضرورية” على المدى القصير. التضحية بالمبادئ من أجل مكاسب سياسية لحظية ليست تضحية استراتيجية، بل خيانة للثورة وللإنسانية نفسها.
لكن الالتزام بالمبادئ لا يعني الانعزال عن الواقع السياسي. فالتحالفات ممكنة، لكنها مشروطة بالوضوح، والشفافية، وعدم المساس بالقيم الأساسية. يمكن للشيوعي أن يتعاون مع الآخرين في مجالات محددة، مثل الدفاع عن الحقوق الاجتماعية أو مكافحة الظلم، شرط ألا تتحول هذه التعاونات إلى غطاء يبيح تجاوز المبادئ أو تمرير سياسات رجعية.
الرسالة الجوهرية واضحة وهي البقاء مخلصا للمبادئ، حتى في وجه الضغوط السياسية والاجتماعية الهائلة. وأن تكون صوتا للعدالة والحرية، وتحمي مبادئك من التوظيف السياسي أو الاستغلال العاطفي. لأن الشيوعي الحقيقي، في نهاية المطاف، لا يبيع قضيته أو يساوم على رؤيته من أجل انتصار قصير الأمد، بل يزرع بذور التغيير المستدام، ويصنع الأمل في مجتمع متساوٍ وعادل، حيث تكون العدالة ليست شعارا فقط، وإنما واقعا ملموسا لكل البشر.

الانسان في الاخير قضية و القضية أساسها و جوهرها المبدأ