هيئة التحرير
لم يكن يتوقع أن رحلته نحو إسبانيا ستتحول إلى مأساة. بعد أيام من التخطيط، وجد مكانه على متن قارب “الفانتوم” المتجه نحو السواحل الإسبانية. مع اقتراب القارب من الشاطئ، قفز في المياه، وكان يفصله عن اليابسة بضع عشرات من الأمتار. وصل منهكًا إلى الرمال، ارتمى على ظهره وكان يعتقد أنه أخيرا وصل إلى بلد تحترم فيه حقوق الإنسان، وسيعيش بعيدا عن الظلم والحكرة حتى لو كان “مهاجر غير شرعي”، لكنه سيصدم بواقع لم يتخيله حيث أوقفه رجل من اليمين المتطرف كان متواجداً في المكان وانهال عليه بالضرب والسب والشتم.
الحادثة أعادت إلى الواجهة معاناة المهاجرين المغاربة الذين يواجهون مخاطر الموت في البحر، ثم يصطدمون بعنف واستفزازات عند وصولهم، لتختصر القصة مساراً طويلاً من القمع في بلدانهم والتمييز والعنصرية في بلد الاستقبال.
هكذا تتحول سواحل المتوسط إلى منصات انطلاق للهاربين من وطنهم، ليس بحثا عن الثراء، بل فرارا من موت بطيء، من واقع تُغلق فيه أبواب الحياة وتُفتح فقط بوابات الفقر والهشاشة.
بينما يُفترض أن الدولة حامية لحقوق مواطنيها، يواصل النظام المغربي سياسات أمنية خانقة، تقييد الحريات، كبح المبادرات المحلية، وإقصاء المناطق المهمشة عن مشاريع التنمية. هذه السياسات تعيد إنتاج الفقر وتدفع الناس إلى اليأس لدرجة تصبح قوارب الموت الخيار الواقعي الوحيد أمام كثيرين.
تحكي سلمى، شابة من الحسيمة في حديث ل”صدى الحقيقة” عن تجربة هجرتها في “قوارب الموت”: ” لم يكن لدي خيار آخر، بعد تخرجي من الجامعة بحث عن عمل لسنوات لكن لم أجد فرصة، حتى المهن التي لا تحتاج دبلوم لم أقبل فيها”، وتضيف “رغم أن والدتي كانت تصبرني لكن كنت أرى في عينيها نظرة خيبة الأمل.. تلك النظرة دفعتني لأبحث عن باب للنجاة ولم يكن أمامي إلا البحر”.
سلمى التي وصلت إلى أحد شواطئ الجنوب الإسباني تقول “كنت أعلم أنه يمكن الا أصل أبدا، أن أموت في البحر، لكن أنا كنت ميتة في المغرب، قتل في الحلم والأمل وحياتي كانت كابوسا هناك، لذلك مغامرتي هذه كانت مثل إعلان عن أنني أستحق الحياة”.
لكن المأساة لا تنتهي على الضفة الأخرى. فهناك، في شواطئ الاستقبال، تنتظرهم أسوار من الأسلاك وخطابات من الكراهية، يقودها يمين أوروبي متطرف الذي يجد في المهاجرين شماعة لأزماته الداخلية. في هذه اللحظة، يلتقي قمع الداخل مع عنف الخارج، ويتجسد المعنى الحرفي للغربة المزدوجة.
هذه المأساة تدين كل من تحمل المسؤولية داخل النظام المغربي. كما أنها مرآة لفشل دولة في احتضان أبنائها، ولعالم يغلق قلبه قبل أن يغلق حدوده. إن كرامة الشباب المغربي ليست رفاهية، بل أساس لأي مشروع وطني حقيقي. والصمت اليوم ليس حيادا، بل تواطؤا مع استمرار النزيف. لقد حان الوقت لنضال جديد، نضال يعيد للريف، وللمغرب كله، روحه وإنسانيته، بعيدا عن القمع وخطابات الكراهية
