أثار وزير العدل المغربي السابق، مصطفى الرميد، نقاشاً واسعا عقب تدوينته التي تطرّق فيها إلى السماح للناشط المعتقل ناصر الزفزافي بحضور جنازة والده، وما تخلل ذلك من رسائل واضحة وصريحة.
توصيف الملف ب”الجنائي”
الرميد أعاد التأكيد، بوعي أو بغيره، على توصيف الدولة الرسمي لملف معتقلي حراك الريف باعتباره “ملفاً جنائياً”. هذا التوصيف يتجاهل البعد السياسي والاجتماعي للحراك، الذي انطلق سنة 2016 على خلفية مطالب تنموية وحقوقية بالريف، قبل أن يتحول إلى ملف قضائي ضخم خلّف أحكاما ثقيلة.
بهذا المعنى، يواصل الرميد، رغم عدم تقلده منصباً رسميا، الدفاع عن الرواية الرسمية التي ترى في المعتقلين “مدانين” في جرائم يعاقب عليها القانون، وليسوا “معتقلين سياسيين” كما تصفهم هيئات حقوقية وأطراف سياسية ومدنية.
إشارات السياسة: اقتراب الانفراج
غير أن التدوينة ذاتها حملت رسائل سياسية مبطنة. فالرميد تحدث عن “انفراجات متوالية” عرفها الملف، وصولا إلى ما سماه “الانعطافة الأخيرة” التي قد تكون “خيرا وسلاما في الزمن القريب”. هذه العبارات فسّرها كثيرون باعتبارها إشارة إلى أن الإفراج عن المعتقلين بات مسألة وقت فقط، وأن الدولة قد تكون بصدد تهيئة الأرضية لطي هذا الملف الذي أثقل كاهلها داخليا وخارجيا.
بين التبرير والتمهيد
الرميد، من موقعه كوزير سابق للعدل وفاعل سياسي إسلامي بارز، يجمع في خطابه بين عنصرين متناقضين:
تبرير الموقف الرسمي الذي يصر على الصبغة الجنائية للملف، بما يحفظ للدولة هيبتها القضائية.
تمهيد لاحتمال حدوث انفراج سياسي/حقوقي عبر عفو ملكي أو مبادرة مماثلة، بما يحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف.
هذه التدوينة لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق العام: ضغوط حقوقية متصاعدة، تحولات إقليمية ودولية، واقتراب استحقاقات سياسية واجتماعية داخلية. كل ذلك يجعل من “الانفراج” خيارا مطروحا بقوة، مع الحفاظ على خطاب رسمي يربط الملف بالقانون والجنح، لا بالسياسة والاحتجاجات.
خطاب مصطفى الرميد يجسد التوازن الصعب الذي تحاول الدولة المغربية الإبقاء عليه، والإصرار على أن ملف حراك الريف “جنائي” لضمان انسجام الرواية الرسمية، وفي الوقت ذاته إرسال إشارات عن قرب الإفراج لتخفيف الضغط وإغلاق واحد من أعقد الملفات الحقوقية في العقد الأخير.
يبقى السؤال؛ هل يكون ما سماه الرميد “الانعطافة الأخيرة” فعلاً بداية النهاية لمعاناة معتقلي الحراك وعائلاتهم، أم مجرد جولة جديدة من رسائل التطمين؟
