تعيش أسر أطفال التوحد بمدينة الحسيمة على وقع صدمة كبيرة بعد توقف الدولة عن تقديم الدعم المالي لجمعيات أطفال التوحد “، التي تُسيّر مراكز خاصًة لفائدة هذه الفئة. هذا القرار المفاجئ أدى إلى أزمة خانقة، إذ لم تعد الجمعيات قادرة على أداء أجور المربيات والأطر المشرفة، ما يهدد بحرمان العشرات من الأطفال من التعليم والتأهيل، ويضع أمهاتهم وآباءهم أمام عبء مالي يفوق طاقتهم.
فبعدما كان الدعم العمومي يخفف الأعباء عن الأسر، أصبحت التكلفة تصل اليوم إلى ما بين 1500 و2000 درهم شهريًا للطفل الواحد، وهو مبلغ وصفته الأمهات بـ”المستحيل” نظرا للهشاشة الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها المنطقة.
إحدى الأمهات، وهي أم لطفلة تبلغ تسع سنوات من ذوي طيف التوحد، عبرت عن معاناتها بمرارة قائلة: “اكتشفت إصابة ابنتي بالتوحد عندما كان عمرها خمس سنوات، ومنذ ذلك الحين وهي تستفيد من حصص النطق والترويض. والحمد لله هناك تحسن في حالتها. لكن هذا العام نعيش كابوسًا، فالدولة توقفت عن تمويل أجور المربيات، ونحن لا نستطيع تحمّل هذه التكلفة الباهظة. لأنه باختصار التوحد يفقر، وأطفالنا مهددون بالضياع إذا ظلوا في البيت محرومين من أبسط حقوقهم.”
أم ثانية لم تخفِ دموعها وهي تتحدث قائلة “أنا اليوم مضطرة أختار بين لقمة العيش وتعليم ابني. لا نستطيع أن ندفع 2000 درهم كل شهر، وإذا لم تتدخل الدولة، سنجد أبناءنا في الشارع بدل القسم.”
معطيات وطنية مثيرة للقلق
تشير جمعية “هزم التوحد” إلى أن مولودًا من بين كل 50 يولد مصابًا بطيف التوحد، أي نحو 14 ألف حالة جديدة سنويًا (ما يعادل 36 حالة يوميا).
ويُقدَّر عدد المصابين بالتوحد في المغرب بنحو 740 ألف شخص، من بينهم حوالي 280 ألف طفل. تقديرات أخرى تضع العدد بين 400 و600 ألف حالة، وهو ما يكشف غياب إحصاءات رسمية دقيقة وموثوقة.
الحسيمة.. منطقة منكوبة مؤسساتيا
تقول الأمهات إن ما يزيد الطين بلة هو أن منطقة الريف، وبالأخص الحسيمة، “منكوبة على مستوى المؤسسات”؛ إذ لا تتوفر على بدائل أو مراكز متخصصة كافية مثل المدن الكبرى. فبينما تستفيد جمعيات في الدار البيضاء والرباط من دعم خارجي يمكّنها من تقديم خدماتها مجانا، تبقى أسر الحسيمة مضطرة لتحمّل التكاليف الثقيلة أو ترك أبنائها في البيت دون تأطير.
وتطالب أمهات الأطفال بإعادة الدولة النظر في قرار وقف الدعم عن جمعيات التوحد وتحمّل مسؤولياتها في تمويلها، باعتبار أن التعليم والتأهيل حق دستوري لكل طفل. كما يناشدن الجمعيات الوطنية والحقوقية والإعلامية التضامن معهن، حتى لا تتحول معاناة أسر التوحد في الريف إلى مأساة مضاعفة.
يرى متتبعون أن هذه الأزمة ليست سوى صورة مصغرة عن التهميش الذي يعاني منه الريف منذ سنوات، حيث تغيب العدالة المجالية في توزيع الموارد والمؤسسات. فبينما تتحدث الخطابات الرسمية عن “إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة”، يكشف الواقع أن الأطفال في مناطق مثل الحسيمة يواجهون خطر التهميش مرتين؛ مرة بسبب المرض، ومرة أخرى بسبب غياب الدولة
